يعني هذا الكتاب في قسمه الأول بدراسة المضمون الفكري لنظرية النسبية العامة لاينشتاين، وهي الأداة الرئيسية اليوم في فهم الظاهرات الكونية والفلكية. إذ إنها تشكل القاعدة النظرية الرئيسية لفيزياء النجوم النيوترونية والثقوب السوداء والبيضاء والمعابر النجمية وأشباه النجوم ونظرية الكون الحديث (بنية السكون ونشأته).

وانطلق الباحث في عرض المضمون الفكري لهذه النظرية من النقد الذي وجهه الفيزيائي والفيلسوف النمساوي، ارنست ماخ، إلى ميكانيك نيوتن في نهاية القرن التاسع عشر. ثم يبين كيف أعاد الفيزيائي الألماني اينشتاين، صوغ هذا النقد بلغة التصور المجالي للمادة، وكيف طوره حتى توصل إلى مبدأ التكافؤ وشرح كيف سخر اينشتاني هذا المبدأ وطبقه على زمان ومكان النسبية الخاصة ليصل إلى أن الزمكان يطيع هندسة غير هندسة إقليدس المستوية المألوفة، وإلى أن الجاذبية ليست سوى ظاهرة هندسية تعبر عن التركيب الهندسي للزمكان. ويبين كيف قادت هذه التبصرات اينشتاين إلى معادلاته المجالية التي تعبر عن القانون الأساس للجاذبية في نظرية النسبية العامة، كما عالج أهم النتائج المبكرة التي تم اشتقاقها من نظرية النسبية العامة والتجارب التي أجريت لاختبارها. وأنهى مجلده بعرض موجز لتاريخ تكون مفهوم الثقوب السوداء ارتكازً إلى نظرية النسبية العامة.

أما قسمه الثاني فيعنى بتطبيقات نظرية النسبية العامة على الظاهرات الفلكية، مركزاً على فيزياء الثقوب السوداء وأموج الجاذبية. لكن التطبيق الأكبر الذي سيعنى به هذا المجلد هو تطبيق النسبية العامة على نظام الكون بوصفه كلاً زمكانياً، مركزاً على نظرية الانفجار الكبير التي جاءت ثمرة الزواج بين نظرية النسبية العامة والفيزياء النووية. هذا الكتاب موجه بصفة أساسية إلى القارئ الجدي المعني بالفكر والأفكار وتنمية الوعي، وكذلك موجه إلى كل مثقف يأخذ الفكر وتجديده المتواصل ووحدته على محمل الجد.

هل نشأ الكون من العدم؟ سؤال اعتاد الناس على اعتباره خارج دائرة العلم والبحث العلمي. لكن نظرية النسبية العامة، موضوع هذا الكتاب، غيرت ذلك كله ووضعت هذه السؤال في صدر منظومة البحث العلمي. لقد وضع آينشتاين هذه النظرية عام 1915، وتنامت أهميتها حتى أخذت تعد قلب علم الكون والفيزياء الفلكية، وقاعدة أساسية للفيزياء برمتها. ومع ذلك، ظلت معالجة مضمونها الفكري تعد تحدياً كبيراً، بالنظر إلى غرابة أفكار هذه النظرية وبعدها عن المحسوس وإلى بنائها الرياضي المعقد، وتكاد المكتبة العربية أن تخلو كلياً من الكتب الرصينة باللغة العربية التي تعالج هذه النظرية المثيرة المتصاعدة الاهمية. لذلك، ارتأيت وضع كتاب يعالج المضمون الفكري تحديداً لهذه النظرية العظيمة، سداً لهذه الثغرة في مكتبتنا العربية ومجابهة للتحدي الكبير الذي تفرضه علينا هذه النظرية. وللقارئ الكريم أن يحكم على مدى نجاح هذه المحاولة. وعلى أية حال، فإن هذا الكتاب سيشكل قاعدة لسلسلة من المجلدات تعنى بعلم الكون والتطورات المذهلة التي مرّ بها هذا العلم في النصف الثاني من القرن العشرين.