وصف الكتاب
هذا الكتاب بحث حول تفسير القرآن الحكيم قصد به مؤلفه الأستاذ الشيخ محمد الصادق عرجون عرض صورة مجملة للمنهج الذي نهجه الأئمة من السلف والخلف في مؤلفاتهم حول هذا البحث في علوم الإسلام ومعارفه، مع بيان أنهم بذلوا أقصى جهدهم في بلوغ الغاية التي مكنتهم من الوصول إليها علومهم ومعارفهم وأحوال مجتمعاتهم، وخصائص بيئاتهم التي عاشوا فيها، واستلهموا أعراضها.
وهم بهذا الجهد المشكور قد أدوا واجبهم في حدود معارفهم وثقافتهم الإسلامية وطاقتهم، وما ملكت أيمانهم من وسائل الدراسة والبحث نحو تفسير كتاب الله العربي المبين، الذي انزله تعالى نوراً وهدى للناس، ودستوراً مرشداً إلى الحق، وداعياً إلى الرشد، وموصلاً إلى سعادة الدارين:
وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأمُورُ الشورى، 52- 53.
وقوله تعالى:
يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءكُم مِّنَ اللّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلاَمِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ المائدة، 15-16.
بيد أن هذا الجهد البالغ – على ضخامة آثاره في المكتبة العربية الإسلامية، وكثرة ما تحوي مما ألف من التفاسير المتفاوتة بين الإيجاز الموحي، والإطناب المسهب- كان مبعث تساؤل يتردد اليوم في نفوس الكثيرين من المسلمين عامتهم وخاصتهم ويتحدث به بعضهم إلى بعض قائلين: هل فُسِّر القرآن؟ كان هذا التساؤل نتيجة لما يشعرون به من الفراغ العريض العميق في مجال الحياة الفكرية المعاصرة عند المسلمين، هذا العصر المتوثب بطفرات العقل الإنساني، والمفعم بحصائل تجارب العلم والمعرفة التي كانت أثراً من آثار ",التطور", الفكري في العالم ونشوء مذاهب جديدة في الفكر والعقائد، وظهور آراء حديثة في ميادين العلوم والمعارف، وقيام أوضاع مبتدعة في عالم السياسة ونظم الحكم في الأمم والشعوب، وتأسيس قواعد جديدة في مجالات الاقتصاد الدولي والمعاملات القومية (انظر مقالي في مجلة نهج الإسلام الصادرة بدمشق في شباط 2011/ ربيع الأول 1432هـ/121/ وهو تحت عنوان المعاني الاقتصادية في القرآن الكريم) وغير ذلك مما شهده ويشهده عصرنا الحاضر وعالمنا الحديث والذي يوشك أن تشهد أضعافه العصور القادمة، وقد كان لهذا كله آثاره الخطيرة على سلوك الإنسان أفراداً وجماعات، وأمماً وشعوباً، فضعضع القيم الروحية والفضائل الخلقية، ومال بموازين الحياة إلى جوانب تستمد سلطانها من الغرائز الحيوانية والقوى المادية التي تكفر بالروح وتجحد وجودها.
هذا الفراغ في حياة المسلمين الفكرية يحسه كل مسلم يهتم بأمر المسلمين ويشغله حالهم.