وصف الكتاب
لم نتبع في هذا الكتاب مذهباً فلسفياً معيناً، ولا ملنا فيه إلى عصبية أو هوى، ولا جرينا إلى غاية اعتقادية أو ريبية، بل جعلنا مسائله مستندة إلى العلم، مبنية على العقل والتجربة. لقد اقتبسنا أكثر مسائل هذا الكتاب مما انتهى إليه علم النفس في أيامنا هذه، وجمعنا فيه أكثر ما تضمنته الكتب الفلسفية المتداولة بين أيدي القراء. وكثيراً ما كنا نقتبس العناصر من كتاب، والمسائل من كتاب آخر، فنرتب المواد ترتيباً جديداً، أو نصوغها في قلب شهصي، أو نستخرج منها نتائج متقاربة، حتى جاءت -رغم اختلاف نزعاتها- مشتملة على ثنيء من الوحدة.
فينبغي إذن لقارئ كتابنا هذا أن يلم أولاً بما فيه من الوحدة، وأن يعرض بعد ذلك جميع مسائله على حاكم العقل، وأن لا تكون غايته حفظ ما فيه من الأقاويلن بل الإشراف على ما تضمنه من الحوادث والأمثلة، والوقوف عند كل مثال محسوس، وإعمال الروية فيه، فإن الإكثار من حفظ الأقاويل من غير إعمال الروية فيها قد يقلب العقل إلى آلة صماء.
وليست الغاية من دراسة الفلسفة حفظ النظريات، وممارسة الجدل، والظهور أمام الناس بمظهر العلماء الذين يحدثونك عن كل أمر وهم غير عالمين بشيء، وإنما الغاية من ذلك تعويد العقل حرية النظر والتأمل والإبداع، وإبعاده عن الثقافة اللفظية والتقليد، والإتباع. وقد أشار ابن خلدون إلى ذلك بقوله: ",إن ثمرة الفلسفة هي شحذ الذهن في ترتيب الأدلة والحجاج لتحصيل ملكة الجودة والصواب في البراهين",. فمن درس الفلسفة ولم يفهم ما فيها من الرموز، ولم يعلم غرضها، لم ينتفع بما يبدو له من معانيها.
إن الطالب الذي لا يتعود حرية البحث، ولا يتعلم نقد الشبه الفلسفية والرد عليها، يعجز عن تحصيل الثقافة الحقيقة. فعليه إذن أن يرجع كل أمر من الأمور إلى تجاربه النفسية والاجتماعية، وأن يتعلم كيف تلقى المسائل على بساط البحث، وكيف يمكن حلها بالرجوع إلى العلم. وخير طريقة للوصول إلى هذه الغاية هي أن يلخص مباحث هذا الكتاب بنفسه، فلا يتقصر على قراءة الفصلو، وتكرار ما فيها كالببغاء، فهي أوسع من أن تحيط بها الذاكرة، ونحن لم نجمع هذا الكتاب ليحفظ، بل ليكون وسيلة من وسائل المراجعة، وآلة من آلات العمل. وكل طالب يمرن نفسه على الحفظ دون الفهم، وعلى التقليد دون المناقشة، يميت في نفسه حرية الفكر.