وصف الكتاب
ما من شك في أن أجمل المقدمات المفتوحة الممتدة، التي تترك البحث ساحة حوار، وجدال وإحتدام بين ",المدرك واللامدرك", و",الوعي واللاوعي", و",المعقول واللامعقول", و",المرئي واللامرئي", و",الحر المنفتح والقمعي المغلق", و",المحسوس والمجرد", و",السطحي والبؤري العميق",.
وأجمل الكتب ما يمكن أن نطلق عليها، الكتب المفتوحة، أو الكتب اللامنتهية في مدها وجاذبيتها للقارئ، لتبقى في توالد مستمر وحراك دائب وتطور دائم وبحث قلق عما هو خفي ",مسكوت عنه، في أعماقنا، وبكارة أحلامنا وخلاصة تجاربنا، عما يحركنا ويدفعنا إلى التساؤل، من دون أن نجترح إجابات شافية وافية، لما يدور في خلدنا من تساؤلات مفتوحة، سرعان ما تعود بنا إلى لجلجة البدايات المزحومة بالأسئلة القلقة والتأملات المنفتحة – المنفلتة من عقال المنطق والإدراك، لتبث هواجسنا الوجودية التي تقض مضجعنا كدورة الحياة لا تنتهي، لتقودنا إلى نقطة الصفر ",دور البداية", فكما أننا نحس بالوجود ولا نعيه ونتلمس الأشياء بإحساس الحياة، ونعيش إحباطاتنا بإبتسامات وادعة وأحلام جارحة، لا بد من أن يصل ما في داخلنا إلى ما هو ورائي بعيد ",غير مدرك ولا مرئي", إلى ما هو محموم في ذواتنا للوصول إلى ما هو خالد وأبدي... إلى ما هو مسكون في ظلال الأبدية وفضائها المطلق.
وأننا في دراستنا الموسومة ",فضاءات جمالية في شعر حميد سعيد ",نقارب الفضاء الإبداعي المطلق للشاعر ونتحثث ما هو جدلي فيه، ليس لإدراك كنهه حسب، وإنما لنتحثث ما هو مضمر في قراءة ذواتنا وهواجسنا، وما تضمره أرواحنا من نقاط إئتلاف وإختلاف، بين ما نعيه نحن وما يعيه الشاعر ذاته، في فضائه المطلق، ومن أجل ذلك، لم تأت هذه الدراسة وليدة هاجس معرفي أو إبداعي مسبق، بل كانت وليدة ذاتها وبكارة إحساسها بجميع القضايا والنصوص المدروسة، لنتحثثها من الداخل، إنها محاولة لتأسيس جذورها المعرفية على إثارة التساؤلات المفتوحة التي بقدر ما نقترب، تبتعد، وبمقدر ما تبتعد، تقترب للوصول إلى مقاربة منطقية شافية ترى بعين الحقيقة وتقترب من دواخل الذات الشاعرة بإحساس يداعب إحساسها من دون أن تمارس سطوتها عليها، إنها تنأى بجانبها عن تلك الدراسات النقدية القمعية التي عادة ما تدمي النص بدلاً من أن تتحثثه ونحييه، وتقربه وتدنيه، لإدراك كنهه وما ينطوي عليه من أسرار، بوداعة وألفة، لإكتشاف مضمراته.