وصف الكتاب
إن أهمية الزواج مثله مثل الأسرة في حياة الإنسان والمجتمع أمر ظل يلقى تأييداً وتأكيداً طوال التاريخ وحتى اليوم، وكانت العلاقة بين الرجل والمرأة ولا تزال موضوعاً يجذب اهتمام المفكرين والفلاسفة والأدباء ورجال السياسة والعلماء، فعبروا عن انطباعاتهم وتصوراتهم كل بطريقته، إلا أن الزواج كموضوع للبحث المتخصص انحصر في نطاق علم الاجتماع منذ بدايته، وظل ينمو ويتطور حتى أصبح مركز اهتمامات عديدة على المستوى النظري والتطبيقي وأثرته أبحاث بيولوجية واقتصادية وتاريخية عديدة.
إن الاهتمام الشديد الذي نلاحظه عند علماء الاجتماع في الغرب والشرق على السواء بالزواج، ربما يكون مرجعه إلى التغيرات الواضحة التي طرأت على طبيعته وأهدافه، والى المشاكل والأزمات والتحديات التي يواجهها، نتيجة للتحولات الاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية التي تتعاظم عاماً بعد آخر. وربما يعود هذا الاهتمام كذلك إلى أن كثيراً من خبراتنا وعواطفنا ومشاكلنا تمتد جذورها في الحياة الأسرية التي نشارك فيها جميعها بشكل أو بآخر. وقد أدرك الكثيرون ممن يعملون في حقل العلم أو السياسة أو التخطيط، أو من يتصدون لتشخيص مشاكل المجتمع وبناء برامج التغير أو الإصلاح، إن الانطلاق من تفهم قضايا الزواج المعاصر وأزمة الأسرة ومعاناتها في هذا العصر أمر لا مفر منه، خاصة إذا كانت الأسرة ستظل صاحبة الدور الحيوي في تشكيل الشخصية وفي بناء قيم واتجاهات الإنسان المعاصر.
وربما كان تخلف الاهتمام بأبحاث الزواج والأسرة في مجتمعنا يرجع إلى أن سرعة التغير لم تظهر نتائجها بصورة واضحة إلا منذ وقت قريب، والى الثبات النسبي في أنماط الأسرة التقليدية التي ميزت الحياة العائلية لفترة طويلة من الزمان، ومع ذلك فإن هناك دراسات علمية قد أجريت في ميدان الأسرة على المستوى الأكاديمي، ودراسات أخرى تتم تدريجياً بقصد إبراز بعض الجوانب التطبيقية، من خلال هيئات ومؤسسات متنوعة الأهداف، إلا أنني وجدت أن الوقت أصبح مناسباً لأقدم مؤلفاً يتميز بالشمول عن الأسرة والزواج يعالج أهم القضايا والموضوعات التي تهم الدارس والمثقف المصري، وينطوي على أهم المعلومات والتحليلات التي أخذت طابعاً مقارناً مع الإشارة المتكررة إلى الأسرة المصرية كلما كان ذلك مناسباً.
ومع أنني أعلم أن هناك كما هائلاً من الموضوعات التي تعالجها الآن المؤلفات التي تستوعب جميع جوانب الأسرة والزواج في كثير من بلاد العالم وخاصة من خلال منظورات متعددة الاتجاهات الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية أو النفسية، إلا أن الأمر يتطلب نوعاً من الاختيار الذي قد ينجح في إلقاء الضوء على الموضوعات الرئيسية ذات الأهمية الحيوية أو قد يقصر دون قصد في الوصول إلى هذا الهدف لكنني اعتقد مع ذلك، أن هذا المؤلف يحرص على ما يلي: 1. التوصل –نسبياً- إلى تغطية شاملة وموضوعية للمفهومات والأفكار الأساسية عن الزواج والأسرة، مع تدعيمها بالبيانات العلمية والواقعية المستمدة من دراسات تجريبية أجريت على جماعات أسرية حقيقة في مجتمعات مختلفة، ولهذا سوف يجد كثير من القراء في هذا المؤلف صورة أقرب ما تكون إلى حياتهم الأسرية الفعلية، في الوقت الذي تطرح أمامهم الوسائل المناسبة، لتمكينهم من الاشتراك في عملية مستمرة لملاحظة وفهم وتحليل علاقات الزواج والأسرة وتنظيماتها المختلفة سواء في المجتمع المصري أو في المجتمعات الأخرى.
2. حفز اهتمام القارئ حتى على مستوى غير المتخصصين، إلا أن هذا لم يكن على حساب الدقة، فقد حرصت أن اعرض بصدق وموضوعية، عمليات السلوك الزواجي والأسري وتنظيماته بطريقة مفهومة ومشوقة. ولهذا أرجو أن يتمكن القارئ بعد أن يفرغ من القراءة، أن يربط قيمة الشخصية والعائلية بأساليب الحياة المختلفة وأنماطها في مجتمعه الخاص وأن يقارن كل ذلك بما يحدث في المجتمعات الأخرى، أو بمعنى آخر يستطيع القارئ أن يرى بوضوح مكانه ومكان أسرته في المجتمع الذي ينتمي إليه أو في مجتمعات العالم.
3. تحري الموضوعية والبعد عن الأحكام الشخصية والاستعانة بنتائج دراسة نماذج عديدة من الأسر، يمكن أن تسمح تنوعاتها في التوصل إلى نتائج أقرب ما تكون إلى الواقع المعاش.
إن هذا الكتاب يعتبر امتداداً لكتابي عن ",الأسرة والحياة العائلية", إلا أنني اتخذت الزواج هنا منطلقاً لتحليل العلاقات الأسرية، لأنني اعتقد أن الزواج وما يكتنفه من عوامل وظروف تؤدي إلى تنفيذ ",قرار الزواج", هو المدخل الذي لا مفر منه لفهم دينامية ومستقبل العلاقات الأسرية بل وتنظيم الأسرة ككل.