وصف الكتاب
",أحست بخطوات لينة تقترب منها، ثم انتبهت إلى أنها محاطة بجمع من النسوة اللاتي تركن قدور الطعام وجئن متحلقات حولها، ينظرن إليها بإشفاق، وكل واحدة تحاول أن تظهر لها ما تستطيع من مواساة، كلهن نسوة مثلها ولكل امرأة أب أو كان، لكنها نظرت إليهن بترفع مصطنع وهي تحاول أن تكتم نزفها المتصل وجرحها الغائر بعيداً في عمق الروح، لم تشأ أن تبدو أمامهن ضعيفة خائرة. أرادت أن توصل للجميع رسالتها بأنها راضية بما قدر لها، وأن الجر الذي تخفق من أجله الرايات، ويستعرض الرجال أمام مضيفه، الكبير، ويطلقون الرصاص، إنما هو يسكن منها الروح ويسري مع نبضات الفؤاد، يشققن الجيوب ويخمشن الخدود وينثرن الشعور، لكنه القدر الأعمى الذي حرمها هي متعة المشاركة وشرف إطلاق الصرخة النازفة عند رأسه المتحضر، يفتح عينيه بجهد، ينظر إليها ويبتسم ثم يسقط الرأس جانباً ويسلم الروح، قالت ذلك للجميع من غير أن تنبس بحرف واحد، لكن وجهها كان يشي بكل الأشياء التي تريد...",.
تتمحور قصص ",قفص من فضاء", على ثنائية تنطلق من مفهومين مرتبطين بالضيق، والمنفتح بشتى تشكيلاتهما النفسية والمكانية والحسية، مما يبلور خصائص تشكلات النص عبر الشخصية الفضاء القصصي في المكان والزمان، ثم يشمل البناء العام للقصة وارتباطها بتشكلها البنائي المتعارف عليه، ثم منح هذا التشكيل حداثة ما ينمي أبنية جديدة وفق تصور جديد، فالقاص ينظر إلى الظواهر المألوفة في الواقع ليحدد صياغتها وعكسها بنية ومعنى.
حينما عثروا عليه، كان نائماً كالميت، كان ميتاً كالنائم. وقد عجز المحققون العدليون والأطباء الشرعيون عن استكناه سرّ الوفاة، إذ لم يكن هناك آثار شجار، وليس ثمة طعنة سكين أو آثار رصاصة غادرة. لم تك هناك نقطة دم واحدة مسفوحة في أي مكان، وليس ثمة رضوض أو كدمات، كما أن التشريح لم يفض إلى نتائج ترضي فضول ألأطباء والمحققين معاً. الموت لم يكن بسبب سكتة قلبية أو في المخّ، وليس من آثار سموم أو مخدرات، وكان ذلك حول أو أكثر قليلاً. بكيت صديقي في حينه وحزنت، ثم نسيت الحزن، لكنني لم أنسه هو..