وصف الكتاب
في البحرين يعيش المجتمع، برجاله ونسائه، أفراحاً بتدشين مرحلة جديدة هادفة إلى الانفتاح والشفافية، تجسدت جديتها في تلك المبادئ التي أرساها الميثاق الوطني ودستور البلاد، وفي تلك الممارسات الديمقراطية التي تعم البلاد حالياً. ورغم أن المرأة البحرينية قد انتفعت بهذه التغيرات نتيجة للإصلاح السياسي الهادف إلى ضمان حقوقها من جهة ونتيجة لنضالاتها عبر زمن بعيد، نحو تحقيق ما تصبو إليه أيضاً من مساهمة فعالة في بناء نفسها وأسرتها ومجتمعها، من جهة أخرى، إلا أنها لا زالت تعاني من سيطرة متعسفة إلى حد ما من قبل الرجال داخل نطاق الأسرة بشكل أعظم، وداخل مؤسسات المجتمع والدولة بشكل أخف.
إن حالة التناقض هذه التي تعاني منها المرأة البحرينية، تلك الحالة التي تجد فيها المرأة نفسها أن حقوقها الإنسانية قد كفلتها قوانين الدولة بينما تجد المرأة بنفس الوقت، أنها تحت طائلة التعسف والعنف من عنصر الرجال سواء كانوا في موقع القيادية الأسرية أو في موقع التميز في المؤسسات العامة والخاصة، أي وجدت المرأة البحرينية نفسها في موقع محير تتناقض فيه الممارسة بذلك التنظير الذي سنته الدولة وجسدته قوانينها ودستورها.
وإن هذا التناقض بين النظرية والتطبيق سوف يؤدي بدون شك في مستقبل الأيام إلى إعاقة مسيرة الديمقراطية وبالتالي إلى تشويه عملية بناء مجتمع ديمقراطي يسعى إلى تعزيز دور المرأة البحرينية لاحقاً سواء في شؤون الحياة الاجتماعية أو الثقافية أو الاقتصادية أو السياسية أو التربوية، ويسعى أيضاً إلى استثمار قدراتها وجهودها في بناء متواصل لمملكة البحرين وتوجيهاتها نحو مجتمع متطور تزدهر فيه الديمقراطية والسلام والتنمية.
لهذه الأسباب مجتمعة ولغرض إزالة هذه الحالة التناقصية، أو على الأقل للتخفيف من حدتها في إعاقة المسيرة الديمقراطية والإصلاح السياسي والتنموي للبلاد، جاء هذا الكتاب لغرض تشخيص المعضلة المتمثلة بإهدار حقوق المرأة وذلك سبيلاً لإزالة التعسف التي تعانيه وإطلاق طاقاتها وجهودها للمساهمة في بناء البلد.
يتضمن هذا الكتاب ",العنف الأسري-عالمية الظاهرة وشموليتها", في جزئه الأول بينما يتناول جزئه الثاني ",العنف ضد الزوجة-رصد الظاهرة البحرينية",. يهدف الجزء الأول إلى التعريف بالعنف الأسري كظاهرة عالمية تتجاوز حدود البلدان العربية، وتتجاوز الحدود الجغرافية التي خطتها دول العالم المنتمية إلى الأمم المتحدة، بغض النظر عن انتماءاتها الدينية أو القومية أو التنموية. إلا أن حجم هذه الظاهرة قد يتغير بين دول العالم وفقاً وبناء على عوامل عدة أهمها هو الوعي والتنمية الاقتصادية والاجتماعية الثقافية.
وفي الفصل الأول استعرض الكتاب مفاهيم ومتغيرات العنف الأسري بينما تناول في فصله الثاني النظريات الاجتماعية والسيكولوجية التي تناولت العنف، وتطرق هذا الفصل أيضاً إلى العوامل المساهمة في بناء هذا العنف. أما الفصل الأخير من الجزء الأول، الفصل الثالث، فقد تناول بشكل خاص العنف ضد الزوجة وحاول أن يتبين حجم الظاهرة أولاً ثم التحري عن السلبيات التي تتركها ثانياً.
أما في الجزء الثاني فقد حاولت الباحثة أن تخصص أرض البحرين ونساءها مادة للكتاب ولذا فقد هدف هذا الجزء إلى تبيان حجم العنف ضد الزوجة البحرينية ودرجة عمومية الظاهرة. استدعت هذه المهمة قيام الباحثة إجراء دراسة ميدانية في المجتمع النسوي البحريني وأوضحت أبعاد وإجراءات هذه الدراسة في الرابع (أول فصول الجزء الثاني) بينما تناول الفصل الخامس العنف ضد الزوجة واقعاً من خلال العمل الميداني وبين أيضاً حجم الظاهرة لدى الزوجات البحرينيات وكذلك بين عواملها كما جاءت مدونة في الاستبيانات الموزعة في عينة البحث.
أما الفصل السادس فحاول أن يصنف ذلك العنف الواقع على الزوجة من خلال التعرف على أنماطه السائدة وكذلك كيفية مقاومته، بينما استعرض الفصل الأخير (السابع) المبادئ العامة التي يمكن أن تشكل خطة لسياسة التصدي ولسياسة العلاج إضافة إلى موجز يعكس مضامين الدراسة تسهيلاً للقارئ وتوضيحاً لأبعادها وخطورتها على مسيرة الديمقراطية في مملكة البحرين.