وصف الكتاب
يضم هذا الكتاب معظم المساهمات التي قدمت في أثناء انعقاد الحلقة الدراسية المخصصة لموضوع العولمة ووسائل الإعلام والاتصال الجديدة في العالم العربي، في (بيت الشرق والبحر الأبيض المتوسط)، في مدينة ليون في فرنسا ما بين (29-30/11 و1/12 عام 2001م، وقد عمل هذا اللقاء على تقديم خلاصات برنامج بحثي انطلق عام 1999م، تحت عنوان (عمليات إعادة التركيب للحقل الإعلامي والاتصالي في الشرق العربي) شارك فيه، خلال مراحله المختلفة كل من الهيئات الآتية: (مجموعة البحث والدراسات عن البحر الأبيض المتوسط والشرق الأوسط ",غريمو", و(مركز الأبحاث والدراسات عن الشرق الأوسط المعاصر ",سيرموك", في بيروت، و(الجامعة اللبنانية/معهد العلوم الاجتماعية) وكلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة.
وبشكل عام تطمح الدراسات التي يمضها هذا الكتاب إلى التقاط الانعكاسات الأكثر راهنية والأشد وقعاً لإعادة توزيع الأشكال والآفاق الإعلامية والاتصالية على التنظيمات القانونية والمعارف المهنية ومجالات النشر والعادات الاجتماعية وأنماط ومضامين الاتصال.
حيث عملت كل من الباحثة ",دينا الخواجة وثريا كعيباس", على حصر وفهم -من منظورين مختلفين- المنطق الذي ساد إعادة تركيب المجال التلفزيوني في مصر، من خلال تحليل دور الدولة في هذه العملية، وهو أمر قاد أيضاً خطوات رياض فرجاني في ما يتعلق بالتجربة التونسية، حيث تبين ",أن الدولة هي الضابط الأساس لتأميم الشأن الدولي",. كما تقوم ثريا كعيباس، في مساهمة ثانية، بالتوقف عند مسألة المجال العام السياسي، من خلال المساحة المتاحة، على مختلف القوات التلفزيونية المصرية، لأحزاب المعارضة، من خلال تحليل خطابها المتعلق بتبدلات الحقل التلفزيوني اليوم.
غير أن التطور التقني في مجال البث الرقمي والتنامي العالمي للعرض الفضائي قد أبطلا فاعلية استراتيجيات بعض الحكومات لضبط مجالها الوطني. فالقمر الصناعي عربسات الذي أطلق في عام (1985م) بتمويل سعودي فقد احتكاره لبث القنوات الفضائية العربية، بعدما نافسته، منذ منتصف التسعينيات، محطات فضائية جديدة تبث باتجاه الجماهير الناطقة باللغة العربية.
هذا وقد ساهمت هذه القنوات الفضائية العابرة للحدود في ظهور مجال عربي عام للاستقبال التلفزيوني من خلال اتساع مدى بثها وأيضاً من خلال عملية تجانس أنماط الاتصال التلفزيوني الجديدة التي أدت إلى زعزعة أساليب المحطات الأرضية البالية. فقد استبدلت أنماط الاتصال الجديدة قوانين الاتصال السياسي والجمالي السائدة سابقاًن والمقرونة بمهمة الدعاية السياسية، بمعايير مهنية جديدة في الإخراج والبرمجة، مستوحاة من النماذج الدولية. هذا ما تظهره دينا الخواجة التي انكبت على تحليل ظهور فن تلفزيوني جديد، والخصائص الاجتماعية والمهنية التي تميز العاملين في إطاره، مع مساءلة موازية لوظيفة وانعكاسات المجالات التلفزيونية هذه الجديدة على المستوى السياسي.
فمن خلال المسلسلات التلفزيونية السورية يشير سلام الكواكبي إلى كيفية تأثير طلبات السوق الفضائية العربية على تنوع العرض في مجال المسلسلات التلفزيونية، وإلى كيفية استغلال جيل جديد من المخرجين لهذه الفسحة من التعبير لاقتراح قراءات مختلفة عن التاريخ الوطني تنعكس على الجمهور السوري. فالبث الإعلامي لأحداث عالمية أو لمنتوجات تلفزيونية موجهة لجماهير عالمية لا يؤدي بالضرورة إلى مجانسة مسالك الجماهير الملتقطة لها أو إلى توحيد المجالات العامة حتى عندما تساهم في ",عولمة الخيالي",. ويوضح العربي شويخة هذا الأمر من خلال التجربة الحضرية التونسية عبر خلال تحليله أنماط الاجتماع وأشكال المزامنة المرتبطة باحتفالات شهر رمضان وسهرة رأس السنة، كما هي معاشة اجتماعياً من خلال الاستهلاك التلفزيوني المواكب لها.
فبعد الانتشار الواسع للصحون اللاقطة التي بدأت بالظهور على سطوح المنازل بدءاً من منتصف الثمانينيات، جاء اليوم دور مقاهي (الإنترنت) التي باتت تشكل علامة جديدة على تنوع مجالات الاستقبال الإعلامي والاتصالي. كما تجدر الإشارة هنا أيضاً إلى مجالات التجارة الإلكترونية الجديدة التي يدرسها فردريك معتوق في إطار مدينة طرابلس الشام والتي تظهر -مثل مقاهي (الإنترنت)- وجود صنف جديد من المتعهدين الميدانيين.
ويعود تأخر تطور (الإنترنت) في البلدان العربية إلى التبعية التقنية وعدم التأهيل الفني في ربط جماهير المستخدمين بالشبكة العالمية. ويقوم محمد طه هنا برسم المسار التاريخي لهذه العملية في لبنان، في حين يقوم إبراهيم مارون بدراسة عن التجارة الإلكترونية في لبنان من خلال متابعته لخصائصها وأبرز العوائق التي تعترض سبيلها وتطورها. وفي الإطار نفسه تقوم إليزابت لونغنيس، بعرض حالة مهنة المحاسبة والتحديات التي تفرضها عليه تقنيات الإعلام الجديدة والتجانس العالمي المتزايد لمعايير المهنة. أما إيف غونزاليس-كيخانو فيقوم بتحليل إعادة تشكل المشهد الإعلامي والاتصالي اللبناني من خلال متابعته لتطور الصحافة على (الإنترنت) والدور الإقليمي الذي يمارسه اللبنانيون على الساحة الإعلامية العربية.
ولا بد من الإشارة هنا إلى أن العالم العربي يشكو من عجز رقمي يضعه تحت المعدل العالمي بكثير في ما يتعلق باستخدام تقنيات الإعلام والاتصال الجديدة.
غير أنه تجدر الإشارة هنا إلى أن نسب استخدام (الإنترنت) كنسب التعليم والتحديث التقني تختلف من بلد إلى آخر. فالبلدان النفطية في الجزيرة العربية تأتي في طليعة المستخدمين طبقاً لعدد سكانها، كما أن التنظيمات القانونية وكذلك استراتيجيات الأنظمة السياسية العربية في ما يتعلق بـ(الإنترنت) تختلف كثيراً عن بعضها بعضاً، حيث ننتقل من الانفتاح الشامل (في قطر والإمارات العربية المتحدة ولبنان) إلى هيمنة للدولة على هذا القطاع تصحبها رقابة أمنية شديدة (في العربية السعودية وسورية والعراق).
من ناحية أخرى انطلق ليلى فينيال من فرضية مفادها أن الإعلام مؤشر من مؤشرات العولمة، الأمر الذي دفعها إلى تحليل التطورات الأخيرة لهذا القطاع في الشرق الأوسط بالارتباط مع الحضور المتزايد للشركات المتعددة الجنسيات فيه ودور العواصم في تمفصل الشبكات والمحطات. ويعتمد ألان باتغاي على خطاب أهل المهنة للكشف عن عمليات إعادة التشكيل القائمة حالياً في السوق الإقليمية للإعلان، في إطار من التدويل القوي لعمليات التبادل والتجانس المهني لتقنيات الإعلام.
وقد أدى تنوع وانتشار الركائز الإعلامية (السمعبصرية) في العالم العربي راهناً إلى تغيير، بل إلى تراجع مكانة المطبوع ونخص بالذكر هنا الكتاب. وقد غذت هذه الظاهرة المتداخلة مع نسب الأمية المرتفعة في بعض البلدان العربية، إلى جانب عدم تجانس السوق ألإقليمية ونمط الإنتاج البشري المعتمد، أزمة متكررة طاولت أكثر من مرة قطاع الكتاب العربي. ويقدم هنا فرانك ميرمييه أبرز سمات التغييرات التي طرأت على مجال النشر العربي، محللاً محاولات مأسسة المهنة بالارتباط مع التمدد العالمي لحقوق الملكية الفكرية وظهور أنموذج تعهدي جديد في هذا المجال. فالترجمة مؤشر مناسب لقياس ",عمل حقول الإنتاج الثقافي وعمليات التبادل الدولية",.