لا يجيد الحديث عن العشق إلا عاشق
ولا يجيد الغوص في أعماق العاشق إلا من كان مثله
وهذا هو ما حدث مع الأستاذ ",توفيق حنا", الذي ذاب في تفاصيل تراث وكتابات وأعمال فنانين ومبدعين عشاق.. خرجت عبقريتهم من قلوبهم قبل عقولهم، فأخرج لنا من عوالمهم الرحيبة لآلئ وجواهر نعيش معها ونستمتع بها وبحديثها العذب كما نستمتع بالعمل نفسه.
بالصمت أحياناً وبالكلمات أحياناً أخرى نعبر عما تجيش به نفوسنا.. هذان المتناقضان المقسمة بينهما الأدوار لكل دوره الذي يلعبه ويتقنه، وكما أن الصمت لاحق هذه الكلمات خمسون عاماً فلم تنشر منذ كتبت، جاء دور الكلمات لتخرج للنور فتذكر بأشياء لا يجب أن تنسى.
أولاد حارتنا وعالم ",نجيب محفوظ", والزقاق والثلاثية.. كتاب ",سوزان طه حسين", الذي كتبته معه وليس عنه فكان عنوانه هو مضمونه ",معك",.. مواويل الخال ",عبدالرحمن الأبنودي",.. جمال الغيطاني في دفاتر التدوين ونقطة النور التي صنعها بهاء طاهر.. صلاح جاهين.. توفيق الحكيم.. العقاد.. نجيب سرور.. أم كلثوم.. صبري راغب.. زكريا أحمد.. جميعهم حقاً مبدعون جسدوا عبقرية مصر.
إنه عالم ملئ وزاخر بالفن والعشق والحديث المغزول بينهما.. عالم لا يشعر القارئ معه متى بدأ وأين انتهى ولكن يشعر بأن الكلمات تأخذ بلبه وقلبه ليكون جزءاً من عالمها لا مطلاً على رسمها من فوق السطور.. إنها مقالات أدبية نقدية عميقة كالدراسات وممتعة كلوحات الفنانين ورحبة كالسماء، جمعها صاحبها في هذا الكتاب وخيراً أنه فعل.

لقد عشق أستاذنا توفيق حنا أستاذنا نجيب محفوظ وكانا يتبادلان الود والحوار وكتب أستاذنا المصري الخالص ",توفيق حنا", مجموعة مقالات عن كتاباتي شعرا ونثرا غاص فيها ولامس جوهرها وأضاء جوانبها بتواضع لا مثيل له وصبر لا يملكه إلا مثل حارس مفتاح النيل وعاشق القرية المصرية الكبير ",توفيق حنا",.
ها قد تجرأت وكتبت عن أستاذنا الذي ننتظر كتابته عنا، ربما لأن الزمن الذي نعيشه مقلوب اختلت موازينه، إنها الفرصة الوحيدة التي استطيع بها رد الدين لدائن مجموعة كبيرة من اصدقائي يظل مهما حاولنا الحديث عنه، فإنه -ولبساطته- من العسير الوصول الى أعماقه المضيئة.
عبدالرحمن الابنودي

الصمت والكلمات
مبدعون جسدوا عبقرية مصر
في هذا الكتاب...
تحضرني كلمات الشاعر صلاح جاهين في رائعته ",تراب ودخان",...
وأديني ماشي لوحدي في الشارع...
معرفش رايح فين...
لاكين ماشي...
والليل علينا وعالبلد غاشي...
ولاقيت في حبيبي قلم
كتبت به...
غنوة عذاب.
وقد وجدت في جبيبي هذا القلم الذي سجلت به هذه اللوحات التي تقدم هذا الحشد من مبدعي مصر الذين جسدوا عبقريتها شعرا ونثرا وتشكيلاً وموسيقى.
إن هذا الكتاب، الصمت والكلمات، يريد شيئاً واحداً واضحاً، يريد أن يشير إلى أن هناك لحظات في حياتنا يفرض علينا فيها أن نتكلم جميعاً لأن السكوت إذا وجب الكلام خيانة، وما أصدق هذه الحقيقة التي تقول: ",الساكت عن الحق شيطان أخرس",، ولهذا كان اختيارنا لهؤلاء المبدعين الذين جسدوا عبقرية مصر، وحتى لايقال ما قاله نجيب محفوظ في لحظة نادرة من حياته إبداعا وسلوكاً: ",آفة حارتنا النسيان.",