وصف الكتاب
سيدى القارئ أن ",عبقرية محمد", عنوان يؤدي معناه في حدوده المقصودة ولا يتعداها، فليس الكتاب سيرة نبوية جديدة تضاف إلى السير العربية والإفرنجية التي حفلت بها ",المكتبة المحمدية", حتى الآن.. لأننا لم نقصد وقائع السيرة لذاتها في هذه الصفحات، على اعتقادنا أن المجال متسع لعشرات من الأسفار في هذا الموضوع، ثم لا يقال أنه استنفد كل الاستنفاد.
وليس الكتاب شرحاً للإسلام أو لبعض أحكامه، أو دفاعاً عنه، أو مجادلة لخصومه.. فهذه أغراض مستوفاة في مواطن شتى، يكتب فيها من هم ذووها ولهم دراسة بها وقدرة عليها. إنما الكتاب تقدير ",لعبقرية محمد", بالمقدار الذي يدين به كل إنسان ولا يدين به المسلم وكفى، وبالحق الذي يبث له الحب في قلب كل إنسان، وليس في قلب كل مسلم وكفى.
فمحمد هنا عظيم.. لأنه قدوة المقتدين في المناقب التي يتمناها المخلصون لجميع الناس... عظيم لأنه على خلق عظيم.. وإيتاء العظمة حقها لازم في كل آونة وبين كل قبيل.. ولكنه في هذا الزمن وفي عالمنا هذا ألزم منه فلي أزمنة أخرى، لسببين متقاربين لا لسبب واحد: أحدهما أن العالم اليوم أحوج مما كان إلى المصلحين النافعين لشعوبهم وللشعوب كافة.. ولن يتاح لمصلح أن يهدي قومه وهو مغموط الحق، معرض للجفوة والكنود.
والسبب الآخر أن الناس قد اجترءوا على العظمة في زماننا بقدر حاجتهم إلى هدايتها.. فإن شيوع الحقوق العامة قد أغرى أناساً من صغار النفوس بإنكار الحقوق الخاصة، حقوق العلية النادرين الذين ينصفهم التمييز وتظلمهم المساواة هي شرعة السواد الغالبة في العصر الحديث..