إن أهمية مصطلح الحوارية لباختين لا تكمن في ما طرح من توصيف لتعددية الأصوات والشخصيات في العمل الروائي ولا بتداخل الأيديولوجيات والأحداث والوقائع ونفي نقاء الهويات، بل تتميز هذه الحوارية بما سيظل يكممن وراها من دوافع تحريك مهمة يمكن تأشيرها في قضيتين أساسيتين هما قضية التحرر الذي يرفض الإنغلاق والقطيعة، أولاً، والدعوة الحميمة إلى الحثّ على تشكيل الإنسجامات بين المختلف ليغدو مؤتلفاً وبين المتناقض ليغدو حوارياً في جو من التفهم والتقبل والألفة.

ولا يخفى ما لهاتين القضيتين من أثر في حياة الإنسان المعاصر، المحكوم بالقسر والمصادرة والعنف والتناقضات والصراع، ولذلك كان هذا الإنسان أحوج ما يكون لفن الحوارية وفكرها من أجل تشكيل الإنسجام وما ينجم عنه من سلام وألفة وشعور بالمحبة والأمن.

وما مثالُ حوارية الفنون والتداخل الجمالي المثري والمنسجم إلا دليل حاسم على قدرة الإنسان مبدع الفنون على تشكيل الإنسجامات الإنسانية وإشاعة الحب والألفة في المجتمع البشري لو كفَّ الحكام وطغاة الأرض والمحتكرون عن الأنانية وزرع الأحقاد الذرائعية والقتل والتدمير إدامةً لكراسي السلطة وما تضمر وراء بريقها من دمار وتخريب وحصادات مشينة.

أ. د. بشرى البستاني