وصف الكتاب
إذا كانت مسألة الإبداع الشعري أثارت منذ القدم أسئلة الكتابة والوجود ، فهذه الأسئلة تبتغي عبقريات مبدعة تنفتح على القصيدة الحيّة والمتجددة ، لتفك أسرار هذا الإبداع ، ويعني ذلك أن القصيدة الإبداعية تتجاوز فلوات الخيال والتشبيهات والإستعارات الرتيبة ، لتعبأ بالمعرفة التي تحاكي الذات والكون والوجود ، ولا يتأتى هذا الإنسان عاديّ بين الناس ، وإنما لإنسان يخرق المألوف في المجتمع ، ويطوّر غرابته الذاتية ، كما يقول ميشال فوكو . وإذا كان موضوع القصيدة هو الذات والوجود ، فموضوع النقد الشعري هو القصيدة نفسها . وهذه مقولة تطرح سؤالاً أوّلياً : هل الشعر إلهام من صنع الآلهة والأنبياء والعرّافين الملهمين . وهذا ما تداوله النقد الأدبي العربي القديم من خلال الأعشى والأصمعي وحسان بن ثابت وغيرهم ، وما اجترحته رؤية أفلاطون وسقراط ، أم أن الشعر موهبة لا ينمّيها غير الدرس والإطلاع وتجربة الحياة ، ثم الإخلاص لهذا الفن ؟ . وتثير هاتان النظريتان في إنتاج الشعرية ، تساؤلاً في أذهاننا لجهة مكانة الشاعر من تجربته الشعرية : هل هي من قوى غيبية أم أنها مكتسبة من طول التمرس والمران ؟ إذا كان الإبداع الشعري يتطور بتطور الوعي النقدي الذي يرسي التفاعل بين العمل الإبداعي وشعور المتلقي ، والذي يرتقي بارتقاء ثقافة الإنسان ومعارفه ؛ فإن النظريات الأدبية والنقدية ترتبط بمراحلها الإجتماعية والثقافية والحضارية [ ... ] تلك شكّلت منطلقات هذه الدراسة التي سعت الباحثة من خلالها البحث عن مكامن وتجليات الإبداع في تجربة الشاعر أنور سليمان الشعرية . وإذا كانت الصورة الشعرية والإيقاع الموسيقي ودلالة الألفاظ والمستويات اللغوية الأخرى ( المستوى الصرفي والصوتي والنحوي ) هي من أهم القضايا في النقد الحديث المعاصر ، فإن هذا البحث قد أطلّ من شرفة هذه المستويات على السمات الدلالية البارزة التي تجعلها نصوص أنور سليمان . وتساؤلات تطرحها الباحثة : هل خلقت نصوص أنور سليمان جماليّة خاصة بما يتناسب مع ذاته ؟ وكيف واجه تجارب الحياة ؟ والشاعر مدين لهذا المجتمع البائس الذي يعيش فيه ، كما يقول السياب . وكيف كانت مواجهته مع اللغة التي استند شعره إلى أنظمتها ؟ تحاول الباحثة الإجابة عن هذه التساؤلات من خلال قراءة عميقة تناقش نصوصه وتفك شفراتها وتحللها ، ووسيلتها على ذلك معالجتها هذه القضايا مع مناهج ثلاثة اقتضتها طبيعتها ، هي : البنيوية والأسلوبية والسيميائية التي تساهم في تناول النصوص من داخلها ، وتضيء على جوانبها المختلفة ، مستعينة بمراجع عدة لإتمام عمل حمل سمة تسيجٍ متكامل . وعليه يمكن القول بأن هذه الدراسة هي الدراسة النقدية الأولى المتكاملة التي تتناول تجربة أنور سليمان الشعرية من النواحي الفنية واللغوية والدلالية ، من دون أن تدّعي الإحاطة الكاملة بهذه التجربة التي نضجت في دواوينه : ", بطاقات ملونة لزمن بلا أعياد ", ، ", قصائد لا تريد الرحيل ", ، ", كلمات تعشق السفر ", ، ", مواويل إلى وطنٍ في القلب ", ، ", من دفتر الورد ", ، ", مرايا بلا وجوه ", ، : ", أوراق على طاولتي ", ، و ", إليها ", ، وتحوّلت إلى حالة شعرية فريدة تستحق التأمل . وعليه ، فقد كونت شعرية الحب في هذه الدراسة صورة الشاعر بشقيها : النفسي والوجداني . وإذا أطلّ أنور سليمان من الشعر على الحياة ، فإن لوحات الوطن الجميلة تدفقت في روحه ، وكوّنت ملامح وجدانه ، وشكّلت جزءاً من تكوينه العاطفي . بالإضافة على ذلك فقد كانت القدس بالنسبة للشاعر قضية كبرى هزّت مشاعره ، لكنها بقيت دمعة تجول في جفنيه ، محطات توقفت عندها الباحثة مليّاً بهدف تسليط الضوء على تجليات الإبداع في شعر أنور سلمان .