وصف الكتاب
لم يعرف الأدب العربي المعاصر كاتباً إستهوى الأجيال المثقفة في حياته وبعد مماته، مثل جبران خليل جبران، الذي شاء القدر أن يكون مفكراً ثائراً متمرداً، يجمع إلى روحانية الشرق وسحره، وعي الغرب وتطوره، فمازج بين معطيات الشرق ومعطيات الغرب في إنتاجه الأدبي، حتى غدا صاحب مدرسة نثرية يشار إليها بالبنان. وأنه ليندر أن نرى أديباً متدرجاً يحاول تطويع العبارة وتجديد أساليب الفكر، دون أن يتأثر بخيالات جبران وإنفعالاته وشطحاته وشوقه من ثم إلى إقامة المجتمع الجديد المرتكز على أسس ودعائم ثابته من الخير والفضيلة والمثل العليا بوجه عام. لقد تسنى لجبران أن يجمع إلى الثقافة المدنية، إلماماً طيباً بجوهر الأديان السماوية، داعياً بفلاسفة وشعراء وفنانين كبار جعل سيرتهم قدوة لسيرة حياته وإقبالاً على المرأة، أمّاً وأختاً وحبيبة، ونفوراً من المفاسد الإجتماعية المتمثلة في الجهل والفقر والمرض، وفي الظلم الإجتماعي والتفاوت الخلقي والتباين الثقافي أو العاطفي، فكان منه ذلك الأدب الضارب في أعماق الحياة، المنتشر على مدى أبعادها، الناظر إلى البشر نظرة جديدة تأنف من عمادة التقليد، وترنو إلى روعة التجديد. إن جبران الذي طوف في أرجاء العالم، منذ أن كان في الثانية عشرة من عمره، وعاد إلى وطنه في الثامنة والأربعين، محمولاً على الألواح، لم تقف شهرته عند حدود لبنان أو المشرق، وإنما كان من كتاباته وأفكاره ما أكسبه صيتاً عالمياً قلً أن يتسنى لمثله أن يكسبه، حتى ليقال فيما يقال عنه، إن بعض فصول كتابه ", النبي ", كانت تقرأ بالإنكليزية، جنباً إلى جنب، مع فصول من ", الكتاب المقدس ",، في بعض الكنائس الأميركية، وحتى أن برج كنيسة معهد كولورادو في الولايات المتحدة الأميركية وإسمها ", شوف ميموريال تشابل ", وفيه مجموعة أجراس مصنوعة في إنكلترا، يحمل جرساً رئيسياً تبلغ زنته ستة أطنان، وقد نقشت عليه هذه الكلمات: ", الأمس هو ذكرى اليوم فقط والغد حلم اليوم ", الإمضاء: خليل جبران. ولكن، هل كان جبران ليبلغ هذا الصيت الذائع بسبب إمتلاء عينيه بمناظر طبيعة بشري الساحرة، وإحتواء ذاكرته على مغاني منطقته الشمالية الجميلة، وحسب؟ أم أن ثمة مؤثرات أخرى كانت لها اليد الطولى في تفجير عبقريته من مكامنها، وفي تعميق تجربته الوجدانية، وتكثيف طاقاته الفكرية، حتى أمكنه بلوغ المستوى العالمي، فيما خطته براعته، سواء باللغة العربية أو باللغة الإنكليزية، وفيما رسمته ريشته المبدعة من لوحات فنية لا تزال، إلى اليوم، دليلاً ثابتاً على مدى عبقرية هذا الفنان اللبناني العظيم؟ من هنا تأتي هذه الدراسة التي تكشف عن مكامن الإبداع في أعمال هذا الأديب ومؤلفاته: الأجنحة المتكسرة، النبي، العواصف، وذلك بعد إلقاء الضوء على جبران الأديب وجبران الإنسان.