الدكتور زكي نجيب محمود مفكر التقت فيه الأصالة والمعاصرة، فأينعت ثمراً جنياً، وهو في معظم معاركه الفلسفية التي خاضها دفاعاً عن العقل لا ينفك يؤكد على فكرة الحرية وفكرة التعقيل، فالأولى مكملة للثانية لأن من يتحرر من قيود الجهل والوهم والخرافة، بمثابة من قطع نصف الطريق السلبي وعليه أن يقطع النصف الآخر بعمل إيجابي يؤديه.

ومن زاوية فلسفية يطل زكي نجيب محمود على كل القضايا التي تشغل العقل الإنساني فيلقي الضوء على الفكر الفلسفي في مصر المعاصرة-حيث يرى أن هناك بوادر لقيام نهضة فكرية، حيث تنشئ عن ذلك مجموعة الكتب الفلسفية التي تنشرها المطالع، إضافة إلى سعة انتشار تلك المنشورات بالنسبة إلى سواها. وهو يرى أن الحركة الفلسفية الشاملة تلك تمثل اقتفاء لخطى الأسلاف وانتهاجاً لنهجهم في الانفتاح على كل جديد.

لكن المذهب الفلسفي الخاص عند الأسلاف كانت تلخصه عبارة واحدة هي (التوفيق بين العقل والنقل)، أما عند زكي نجيب محمود فتلخصه عبارة واحدة هي(الجمع بين الحرية والعقل) أما في المقالة الثانية فهو يبحث ما سماه أم المشكلات في حياتنا الفكرية هي محاولة التوفيق بين تراث الماضي وثقافة الحاضر إذ أنها مشكلة بالنسبة إلى كل مجتمع متطور شهدناها عند أسلافنا في محاولة التوفيق بين العقل والنقل وكذلك عند مفكري الغرب إبان القرون الوسطى عندما حاولوا التوفيق بين العقل والنقل أيضاً، وظلت الحال كذلك حتى عصرنا الحالي، وهو يثبت في هذه المقالة أهم ما شهده الميدان الفلسفي من معارك.

وفي إطار معالجته لقضايا الفكر المعاصر يميل إلى عرضها كما نعيشها نحن ونحياها، لا كما نقرؤها في الكتب نقلاً عن سواها، وهو يشير هنا إلى أهم القضايا التي ثارت في تلك الفترة وقد حددها ",بقضية تسأل عن أيهما تكون له الأولوية في اعتبارنا: العلم أم الحياة؟ العقل أن الوجدان والحدس؟ الحقائق العامة المجردة أم الخبرة الخاصة المباشرة؟

علاوة على ذلك تعالج مقالات الكتاب مواضيع من أهمها الإنسان والرمز، الكلمات وسحرها، قيمة القيم، موقف ابن خلدون من الفلسفة، ثم ينتقل إلى الحديث عن أهم الفلاسفة من الفلسفة، ثم ينتقل إلى الحديث عن أهم الفلاسفة المعاصرين (آنذاك) ويعرض ملامح فكرهم وفلسفتهم في مقدمة هؤلاء جورج سانتيانا، الفرد نورث وايتهد، جورج مور، بيرس، وليم جيمس، وديوي.