وصف الكتاب
لا ريب في أن ",العقل الأنوي", لعب دوراً متميزاً في مأسسة المراحل المتعاقبة من عملية تطور البناء الذهني للبشرية، أي منذ بدء الوعي العقلاني البدائي للوجود، ومن الملاحظ، كانت الرؤية تجاه المحيط المعيوش، تقتصر على الفهم الصورة لحركة الأشياء العيانية، والتعبير الشكلاني عن دافع الحاجة، بحيث لا تتعدى حالتي الإشارة الحركية، المقتصرين على الجسد أو الصوت، فكان التفاهم محصوراً في رمزية الدلالة أو الاشارة ",العقل الاشاري",، إلا أنه انتقل بعد الحالة القطيعية الى حالة الاستقرار القبلي، فتعاقل العقل بجدية واضحة مع موضوعاته، خاصة في العهدين (الزراعي - الرعوي) عبر تفاهمات لغوية صوتية لها دلالاتها المعانية ",العقل اللغوي", وإخلولق المخيال يبدع ما هو فوق الواقع، ويسقط الظواهر على رؤى المؤسطر الافتراضي الذي يناغي حقائق الواقع ",العقل الأسطوري",، وبما تحمله الذهنية المتقدمة من مفاهيم وآداب وفنون وطقوس وعبادات وتقاليد، إلا أنه ارتقى الى تأسيس أفهومات دينية ",العقل الديني", بكل ما تحمله مظاناته من قيم وتعاليم ومقدسات ويقينيات، ولكن بعد مراحل من تقدم الوعي التأملي، تخطى العقل عتبة الافتراض والمخاييل والروحانيات الى ",العقل المدني",، حيث بدأت تتشكل ملامح الحضارات المادية، مروراً بعصر النهضة الأوروبية وعصر الأنوار، وجاء التطور سريعاً ومذهلاً، وأحدث انقلاباً حداثياً آخر في العلوم ",التكنولوجية", و",التقنية", والذرة، وغزو الفضاء الخارجي، والسؤال، كيف حصلت انتقالات العقل، واتصفت بسمات مميزة وفق المراحل التاريخية للتشكيلات الاجتماعية المتعددة؟! ويجدر التوقف في بحثنا عند موضوع ",التشكيلات الاجتماعية", لما تحتوي من معارف تساعدنا على استبيان المقومات العقلية للتشكيلات، والعوامل التي ساهمت في تأسيسها وبنائها، وإبراز عملية انتقالات الوعي العقلاني الذي يمثل القاسم المشترك في تنظيم سيرورة التطور المجتمعي، وارتقائه من مستوى التفكير الأدنى الى مستوى التفكير الأرقى، فترى، ما هو سر الانتقالات والتنوعات أو التكاملات الحاصلة في العمليات العقلانية الأناسية؟!