وصف الكتاب
لقد بين الله سبحانه وتعالى في آياته الشريفة قيمة العلم وأهل، فقال عزّ وجلّ: ﴿هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ (9)﴾... [سورة الزمر: 9]... كما بين بأن المؤمنين والعلماء أرفع من غيرهم بدرجات ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آَمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾... [ سورة المجادلة: 11].
وهناك العديد من الآيات التي تتحدث عن فضل العلماء وأهمية العلم، كما أن النبي صلى الله عليه وسلم مجموعة كبيرة من الأحاديث تتحدث عن فضل العلماء وعن كونهم ورثة الأنبياء وخلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم بعد الأئمة الإثنى عشر، كما أن هناك أحاديث تتكلم عن أصناف العلماء وترشد الأمة إلى المقاييس الدالة على أنواعهم.
وعلى سبيل المثال: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ",ساعة من عالم يتكئ على فراشه ينظر في علمه خير من عبادة العابد سبعين عاماً",، كما قال صلى الله عليه وسلم: ",الفقهاء أمناء الرسل ما لم يدخلوا في الدنيا، قيل: يا رسول الله وما دخولهم في الدنيا؟ قال: إتباع السلطان، فإذا فعلوا ذلك فاحذورهم على دينكم",.
عن علي رضي الله عنه (إياكم والجهّال من المتعبدين والفجار من العلماء، فإنهم فتنة كل مفتون)، وعندما تتفصح كتب الروايات نجد المئات من الروايات الشريفة الأخرى التي تتحدث عن العلماء ودورهم في تاريخ الأمم وحياة البشرية، وتركز على ضرورة التقييم الدقيق للفقهاء ومحاولة إستكشاف خصائصهم وصفاتهم، بإعتبارهم القادة الذين تستقيم الأمة بإستقامتهم، وتنحرف بإنحرافهم.
ومن هنا، كان من اللازم عقد دراسات فقهية وأصولية مفصلة ومستوعبة لتلك الآيات الكريمة والروايات الشريفة لإستكشاف ذلك، ولإستكشاف نوعية العلاقة التي ينبغي أن تكون بين العلماء والأمة، ومسؤولية العلماء تجاه الأمة، والأمة تجاه العلماء، وكذلك نوعية العلاقة بين العلماء بعضهم مع بعض، على ضوء ما يستفاد من الكتاب الحكيم والسنّة الشريفة والحجة الباطنة.
وهذا الكتاب إنما يمثل محاولة بدائية لتسليط بعض الضوء على جانب من العلاقة بين مراجع التقليد بعضهم مع بعض حسب المستفاد من الأدلة، وعلى جانب مختصر جداً من العلاقة بين مراجع التقليد؛ والأمة كذلك، وأيضاً يسلط الكتاب الضوء على العلاقة بين مختلف القيادات الإسلامية أو الإجتماعية مع المجاميع التي تنضوي تحت رايتها، سواء أكانت قيادات شعبية أم عشائرية أم حزبية أم غيرها.
ولقد تم في الباب الأول من هذا الجزء الإستدلال بحكم العقل، إنطلاقاً من لزوم رفع الضرر المحتمل البالغ، وكذلك الإستدلال ببرهان الدوران والترديد... وعلى وجوب عمل الفقيه الحاكم برأي أكثرية الفقهاء في الشؤون العامة، ثم جرى في الباب الثاني الحديث عن مسائل عديدة هامة، وهي: وجوب الإستشارة، ووجوب الإشارة، وحرمة المنع، ووجوب ردع المانع ووجوب طلبها، ووجوب العمل بها، ووجوب الفحص عن صحة الرأي، إضافة إلى النسبة بين أدلة الشورى وأدلة التقليد، وحكم تعارض رأي أكثرية شورى الفقهاء مع أكثرية الأمة، وكون القضاء سلطة مستقلة أم لا، إلى غير ذلك، وبقيت مسائل عديدة أخرى، كما بقيت ملحقات كثيرة بما ذكر، سيتم بحثها في المجلد الثاني.