وصف الكتاب
ذكر المؤلف في مقدمته: ",تبقى الكتابات التاريخية محبوسة الأنفاس بين ما احتكره أهل الصنعة من التزوير، وبين ما استحسنه الحكّام من كتابته، بما ينسجم وتطلعاتهم في إلغاء مسلّمات الواقع، أو فرض تخيّلات القصّاصين على كاهل تاريخ يمتد بعطاءاته منذ بزوغ فجر الرسالة إلى ما شاء الله له أن يقوم.
وإذا أردنا أن نحسن الظن بما سطّره هؤلاء وأولئك من مرويّاتهم، فلا ينبغي أن نتعامل معها بحسن ظنٍّ يفقدنا مصداقيتنا في الرغبة إلى معرفة الحقّ ومجرياته، وشؤون الواقع وتطلّعاته.
وهكذا تبقى المرويّات التاريخية مكتّمة، لا يحقّ لها أن (تتفوّه) عمّا أضافته يدُ الوضع عليها، أو تلك النابعة من تخيّلات القصّاصين مجاراةً لوضعٍ سياسيٍّ قائمٍ، أو مداراةً لنزعات تكتّل معيّن، أو تنفيذاً لرغبة نفسية جامحة في الانتفاض من هذا، وسلب محاسنه لتزويق صورة ذاك، أو رمي هذا بداء ذاك دون وازع من دين، أو تحرّج من عرف، أو حتى لو تعارض مع مبتنيات علمية، أو أسس منطقية، بل ومبادئ أخلاقية، استجابة لمصالح شخصية عارمة، أو طموحات سياسية هائجة، تسحق معها كلّ مبدأ، وتقتل من خلالها كلّ فضيلة، وتُوأدُ بسببها كلّ مكرمة.
وليس في منطق هؤلاء غير استدرار رضا أسيادهم، وإشباع حاجات أوليائهم من (نَهَمِ) الوضع والتزوير، ونزعة الكذب والتضليل.
وهكذا يبقى الصراع قائماً بين توجّهات هؤلاء، وأسس المنطق العلمي الذي من خلاله يُقرأ الواقع التاريخي دون تزلّف لعُصبة، أو مراءٍ في حقيقة أو تجنٍّ على واقع.
والذي بين أيدينا أنموذج ممّا جنته الأهواء في كتابة التاريخ، وما فرضته المصالح من تزوير، وما أفرزته صراعات التكتّلات السياسية من تضليل، فخال لهم ما وضعوه (مسلّمة) أجروها على ألسن السذّج من الناس، وأوهموا بها الحمقى من القصّاصين؛ ليستظرفوا بها كتبهم، ويستلحوا بها قرّاءهم.
وكان نصيب هؤلاء من تخيّلاتهم في مرويّاتهم، وطعونهم على أهل البيت عليهم السلام، أن صوّروا السيّدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام، الملقّبة بسكينة، أنّها من أهل الظرافة والبطر.
فهي تتعاطى الغناء، ــ معاذ الله ــ كما هي تتعاطى التحكيم بين الشعراء والمغنّين، وتترامى في أحضان أزواجها الأمويين والزبيريين دون وازع من دين أو مانع من عرف، وكأنّها (موقوفة) لبني مروان وآل الزبير، فبين مفارق لها، وبين كاره، وبين خاطبٍ وبين مطلّق، وكأن لم يكن من بني هاشم كفءٌ يتولّى أمرها، أو وليّ يحسن منعها عمّا ترتكبه ممّا يخالف الدين وينافي العرف.
في خضمِّ هذه (الأهوال) التي تُحدثها زوابع ثقافية، يتسكّع أصحابها على أبواب السلطان، ويعيشون في دهاليز البلاط، ويدفع بها هؤلاء، ويتجاذبها أولئك.. ليحاولوا إقحامها في مرتكزات العامة، ويدعوها لسذّج الناس.
لم تدم هذه المحاولات الخائبة طويلاً حتى قيّض الله لذلك من يبطل أحدوثتهم، ويردّ مكائدهم، ليطالعنا الحجة المحقق السيّد عبد الرزاق المقرّم قدس سره الشريف، الذي عُرف بالدفاع عن أهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام، فيثبت دجل الوضّاعين، ممّا ادّعوه من وصمة الظرافة واللهو، وتعدد الأزواج التي يلصقونها بالسيّدة آمنة بنت الحسين عليهما السلام الملقّبة بـ(سكينة)، فأثبت براءتها عن كل تهمة وشائنة، بكتابه الرائع (سكينة بنت الحسين عليهما السلام).
وكتابنا هذا هو حلقة مكمّلة لجهود العلاّمة المقرّم رضوان الله تعالى عليه، وليميط اللثام عمّا ارتكبه هؤلاء القصّاصون؛ من تخيّلات تُرضي أهواء أسيادهم، وتنتقص من مقامات آل البيت عليهم السلام.
ولسوف يرى قرّاؤنا ما أحدثته السياسة من فجوة بين الحقّ والباطل، وبين الحقيقية والخيال، حرصاً منّا على تحرير القارئ من أسر توجّهات الكتابات التاريخية المنفلتة عن قيم الدين ومبادئ العقل، ومسلّمات الوجدان",.