وصف الكتاب
",لما حضرت أبا طالب الوفاة دخَل عليه النَّبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل فقال: ((أي عم، قل: لا إله إلَّا الله، كلمة أحاجُّ لك بها عند الله))، فقال أبو جهل وعبدالله بن أبي أمية: يا أبا طالب، تَرغب عن ملَّة عبدالمطلب؟ فلم يزالا يكلِّمانه حتى قال آخر شيء كلَّمهم به: على ملَّة عبدالمطلب.
♦ ",كان غُلامٌ يَهوديٌّ يَخدم النبيَّ صلى الله عليه وسلم، فمَرِض، فأتاه النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعودُه، فقعد عند رَأسه، فقال له: ((أسلِمْ))، فنظَر إلى أبيه وهو عنده، فقال له: أطِعْ أبا القاسم صلى الله عليه وسلم، فأسلَم، فخرَج النبيُّ صلى الله عليه وسلم وهو يقول: ((الحمد لله الذي أنقَذَه من النَّار))
العَرض واحد، لكن اختلف الخيار، فاختلفت النَّتيجة؛ فنتيجة خيار أبي طالب خُلود في الجحيم، ونتيجةُ خيار الغلام اليَهودي خلودٌ في النَّعيم، وشتَّان بين الخيارين!
نحن قد لا نَختار والدينا ولا شكلنا، ولا جنسنا ولا ماضينا، لكنَّا بلا شك لنا الدور الأكبر والأهم في اختيار مُستقبلنا.
ففي كلِّ يوم نمارِس الكثيرَ من الخيارات؛ من المأكل والمشرَب، والملبس والمركب، ولا تَكاد تمرُّ عليك ساعة وربَّما أقل إلَّا ولديك فرصة للاختيار، فكلُّ سلوكيَّاتنا هي مَحض اختيارنا: ﴿ كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ ﴾ [المدثر: 38].
وحين يَنعدِم الخيار تَرتفع المسؤوليَّة، ويسقط الإثم؛ فقد أخذ المشركون عمَّارَ بن ياسر رضي الله عنه فلَم يتركوه حتى سبَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم، وذكر آلهتَهم بخير، ثمَّ تركوه، فلمَّا أتى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((ما وراءك؟))، قال: شرٌّ يا رسول الله، ما تركت حتى نِلتُ منك، وذكرتُ آلهتَهم بخير، قال: ((كيف تجد قلبَك؟))، قال: مطمئنًّا بالإيمان، قال: ((إنْ عادوا فعُد))، وفيه نزل قوله تعالى: ﴿ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ ﴾ [النحل: 106]، فحتى الكفر لا إثم في إظهاره حالَ الإكراه فغيره من باب أولى، وكذلك ",عند الضَّرورات تُباح المحرمات",.
ومن جهة أخرى؛ فالخيارات ليست متساويةً؛ فهناك خيارات تحدِّد مسارَ الحياة، فكم سمِعنا وسنسمع عمَّن ذهب ضحيَّة أصحابه! وكم سمعنا وسنسمع عمَّن تغيَّرَت حياته بسبب زواجه (من كِلا الجنسين)، وثالث بسبب دراسته، وغيرهم كثير.
والأهم هو الاختيار المرتبط بما بعد الموت؛ ففي ",الخطبة الشيطانيَّة",، التي يلقيها الشيطان على أتباعه في جهنَّم، يقول لهم: ﴿ إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ ﴾ [إبراهيم: 22].
وحين يقف الظَّالمون عند ربهم: ﴿ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ ﴾ [سبأ: 31، 32]، نعم (كنتم مجرمين) بسوء اختياركم.