وصف الكتاب
شغلت قضية العقل والوحي الفكر الإسلامي قديماً وحديثاً، ولا غرابة فإن الدين الإسلامي نفسه بقدر ما جاء يؤسس الحياة على دعائم الوحي، فإنه جاء يعلي من شأن العقل، ويرفع من مقامه، ويجعل منه ظهيراً للوحي في قيادة الحياة. ومن ثمة نشأ النظر الموازن بينهما، المحدد لدور كل منهما في التعريف بالحق، وفي إلزام الإنسان به. وكلما تعرضت الثقافة الإسلامية لتحد ثقافي فكري خارجي قائم على دعائم العقل نشط البحث في هذه القضية، وشهدت دفعاً جديداً واهتماماً بالغاً.
ومحور القضية في القديم والحديث هو المناظرة بين طرفي الثنائية فيما يختص به كل منهما من مجال في إدراك الحق أولاً، وفي قيادة حياة الإنسان ثانياً، وفيما إذا كان بينهما التداخل والتظاهر مما يؤدي إلى التوافق، أو التباين والتدابير مما يؤدي إلى التمانع والتلاغي. إلا أن القضية لما أثيرت قديماً كان المسلمون في موقع مكين حضارة وثقافة وفكراً، فلم يستطع المدّ الثقافي العقلي الوارد من الفلسفة اليونانية خاصة أن يخل بميزان الثنائية إخلالاً مؤثراً ليكون في صالح العقل على حساب الوحي في قيادة الحياة، ووقف الأمر عند حد التوفيق بين الحكمة والشريعة الذي بلغ أوجه عند أبي الوليد بن رشد في كتابه ",فصل المقال فيما بين الحكمة والشريعة من الاتصال",. أما في العصر الحديث فإن المر اختلف عما كان عليه اختلاف تناقض، حيث وصل المد الثقافي العقلي الغربي إلى المسلمين وهم في ضعف حضاري شامل مما نشأت منه بوادر مخيفة حقاً للإخلال بميزان الثنائية في صالح العقل على حساب الوحي.
ومما ينذر بالخطر في طرح هذه القضية اليوم أنها لا تطرح عن وعي بأبعادها العقدية والمعرفية فيتخذ لها من أسباب النظر وتلتمس لها من معدات الطرح ما ينزلها في منزلتها الحقيقية التي ترمن معها الوقوع في الزيغ، وما يضعها في سياق التأصيل المنهجي والفلسفي والمعرفي موضعاً يؤدي إلى إصابة الحق فيها بما لا يتناقض مع حقيقة الدين أساساً. ولكنها على العكس من ذلك تطرح بشيء من البساطة والخفة والإنبتات، وهو ما يؤدي فيها أحياناً كثيرة إلى أفكار غريبة يظهر فيها بوضوح التعجل والفجاجة.
وانطلاقاً من إحساس الباحث الدكتور ",عبد المجيد النجار", بجلالة هذا الأمر وأهميته في ذاته، واستشعاراً منه بفداحة الضرر الذي يلحقه بالأمة في حالة الزيغ وحرصاً على تنبيه الشباب الإسلامي خاصة من مزالق السطحية والحفة، ارتأى وجوب إعداد هذا البحث الذي بين يدينا ",خلافة الإنسان بين الوحي والعقل", والذي بحث فيه مسألة جدلية النص والعقل والواقع، محاولاً معالجة هذه القضية المنهجية مبيناً أثرها في مهمة الإنسان الكبرى: الخلافة وانعكاسها على الفعل الإنساني.