وصف الكتاب
يعيش الإنسان في الحياة الدنيا محكوماً بظواهر الأمور المادية ، إلا أنه بغريزته يتطلع نحو الأمور الباطنية ليكتشف أسرارها . وبالفعل فقد توصل إلى الكثير من أسرار العالم المادي ، فعرف أسرار الجاذبية ؛ فتحدّاها وطار في السماء ، وعرف أسرار الطفو على الماء ؛ فصنع السفن والغواصات ، إلى ما هنالك . إلا أن هذا الإنسان ما زال يجهل الكثير من الأسرار وخصوصاً فيما يتعلق بنفسه وبالأمور الغيبية ؛ وذلك لأن هذه الأشياء لا تخضع للمختبرات العلمية ؛ وإنما مصدرها الإلهام من رب العالمين . فعن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال : ", علم الباطن سرّ من أسرار الله ، وحكم من حكم الله يقذفه في قلوب من يشاء من عباده ", . هذا ويعتبر علم السرّ من أشرف العلوم ، لأنه يكشف للإنسان حقائق الأشياء وبواطنها : قد يمرض الإنسان ولا يدري سبب المرض ، ويعجز الطب عن كشف ذلك ، إلا أن من لديه علم السرّ يستطيع أن يكشف ذلك ، فيربط بين المرض وعمل قام به المريض ، أو قد يتعرض الإنسان لبلايا وحوادث لا يعرف لها سبباً ظاهرياً ؛ إلا أن من لديه علم السرّ يعلم بذلك ، فعن الإمام علي رضي الله عنه أنه قال : ", لو شئت أن أخبر كل رجل منكم بمخرجه ومولده وجميع شأنه لفعلت ", . من هنا جاءت قضية الإمام الصادق لولده إسماعيل بتعلم علم السرّ فقال : ", يا بني إجتهد في تعلم علم السرّ ، فإن بركته أكثر مما يُظَن ، يا بني من تعلم علم العلانية وترك علم السرّ يهلك ولا يسعد ، يا بني إن اردت أن يكرمك ربك بعلم السرّ فعليك ببغض الدنيا ، واعرف خدمة الصالحين ، واحكم أمرك للموت ، فإذا اجتمعت فيك هذه الخصال الثلاث يكرمك ربك بعلم السرّ ", . وعلم السرّ يدخل في كافة الأمور ، ففي الدين أسرار وفي القرآن أسرار ، وفي آل محمد صلى الله عليه وسلم أسرار ، بل وفي العبادات أسراراً ، فللصلاة اسراراً ، وللحج أسراراً ، ولبقية العبادات أسرار . ولكي وللتدبر في علم السر ووجوده ، لا بد من بيان حقيقة أن كل شيء في الوجود له باطن في علم الملكوت ، وقد تنزل إلى عالم الدنيا فصار له ظاهر مادي . فقد خلق الله تعالى عوالم متعددة ، بعضها أرفع من بعض ، فخلق العالم العلوي وهو العالم المشتمل على حقائق الأشياء وكلياتها من غير مادة طبيعية ولا صورة ، وإليه اشارت الآية الكريمة [ فسبحان الله الذي بيده ملكوت كل شيء وإليه تُرجعون ] [ يس / 83 ] وهو المعبر عنه من كلمات البعض بعالم ", العقل ", ، وهناك عالم يسمى بـ ", البرزخ النزوي ", لتوسطه بين عالمي العقل والمادة ، ولتنزله من العالم العلوي مقابل ", البرزخ الصنودي ", ، ثم خلق الله العالم الدنيوي المعبر عنه بعالم ", الطبيعة ", أو ", عالم الناسوت ", ، وهو أدنى العوالم الوجودية . وإلى ذلك ، فإن علم السرّ من الأمور الخاصة ، فلا يناله كل إنسان ؛ بل إن الله تعالى يختص به بعض عباده ، فليست الأسرار مباحة لكل أحد . فعن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : هو سرّ بيني وبين أحبابي وأوليائي وأصفيائي أودعه في قلوبهم ، لا يطّلع عليه ملك مقرب ولا نبي مرسل ", . من هنا يحاول المؤلف بيان الطريقة الى الوصول إلى هذه المرتبة ليكون الواحد من أهل الأسرار . ثم لينتقل في كتابه الثاني إلى بيان أسرار القدرات الخفية من مثل الأبعاد الخفية في حياة الأئمة ، ثم تسليط الضوء على عدم التمكن والعجز عن معرفة قدرات المعصومين ، ليطلّ في كتابه الثالث على عالم هو من الأهمية بمكان ، موضوع معاصر وبما أطلق عليه ", عصر النور ", ، حيث يبيّن ما هو عصر النور ، ثم كيفية الإستعداد للدخول إلى عصر النور .