وصف الكتاب
الطاعون سببه بكتريا عصرية عنقودية تصطبغ سلباً بصبغة حرام فتبدو حمراء تحت المجهر، وتدعى ",يرسينيا بستس / Yersinia pests",، نسبة إلى العالم السويدي الذي اكتشف ميكروب الطاعون عام 1894، وقد اكتشف عالم ياباني هو مسانوري أوجاتا عام 1897 أن الطاعون ينتقل بواسطة البراغيت.
وفي العام 1908 تأكد بما لا يقبل الشك أن براغيت الفئران هي الناقلة لمرض الطاعون من خلال العديد من التجارب، وفترة الحضانة في الإنسان قصيرة، من أربعة إلى ستة أيام، ثم تظهر حمىً شديدة وصراع، وتظهر الغدد اللمفاوية في المراق (المنطقة الأربية) وفي الإبط وفي أعلى العنق خلف الأذن.
والعجيب حقاً أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد وصف هذه الأعراض وصفاً دقيقاً معجزاً، رغم أنه لم ير الطاعون في حياته، ولا دخل الطاعون جزيرة العرب آنذاك، أخرج البخاري عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: ",الطعن عرفناه، فما الطاعون؟ قال كغدّة البعير يخرج في المراق والإبط",.
وقد وصف علماء المسلمين الطاعون وصفاً دقيقاً، قال النووي في تهذيب الأسماء والصفات: ",الطاعون مرض معروف وهو بثر وورم مؤلم جداً، يخرج مع لهيب، ويسودّ ما حواليه أو يخضر ويحمرّ، والطاعون الرئوي لا يحدث إلا بعد الطاعون الغددي (الدبلي)، ثم ينتقل المكروب إلى الرئتين، فيبصق المصاب دماً أو بصاقاً مدمن (أي مختلطاً بالدم، وقد تحدث كلّ من: الإمام الغزالي الذي نقله عنه ابن حجر في فتح الباري والإمام تاج الدين السبكي، وابن الوردي، والصفدي...
وهكذا فقد اهتم الفقهاء والمحدثون إهتماماً عظيماً بالطاعون، وذلك لورود عشرات الأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد خصص الإمام البخاري في صحيحه بابين للطاعون، وفعل الشيء ذاته الإمام مسلم في صحيحه، وأبو داود في سننه، والترمذي...
والخلاصة لا يوجد كتاب من كتب الحديث النبوي إلا وفيه للطاعون عدّة أبواب، ولا عجب في ذلك، فقد كان الطاعون يشكل تحدياً رهيباً، حيث كان يقتل ويحصد الملايين في دورات متتابعة وهجمات متلاحقة شملت العالم بأسره، ولم ينج منها العالم الإسلامي، كما أن الطاعون شكل أيضاً تحدياً عقدياً دينياً، من أين جاء الوباء؟ ما سببه؟ لماذا يصاب المسلمون به إذا كان رجزاً على الكافرين والمنافقين؟...
إلى ما هنالك من تساؤلات في هذا السياق، لهذا كله كانت الكتابة حول الطاعون أوسع وأغرز عند الفقهاء والمحدثين عما هي عليه عند الأطباء، من هنا تأتي أهمية هذا الكتاب الذي جمع فيه المحقق ما استطاع العثور على مظانه من أسماء هذه الرسائل في الطاعون والوباء المذكورة في فهارس الكتب والمصنفين وفهارس مخطوطات المكتبات، فوجد سبعين رسالة مستقلة في الطاعون والوباء... وكلها تقريباً في الطاعون، ما عدا بضع رسائل في الهيضة والجدري، وهي متأخرة، أي في القرن الثالث عشر وبداية الرابع عشر الهجري.
ورغم كثرة الرسائل المخطوطة في الطاعون والوباء في التراث الإسلامي؛ إلا أن هذه الرسائل لا تزال حبيسة المكتبات، ولم يظهر منها شيء إلى القراء إلى اليوم إلا كتاب الإمام ابن حجر العسقلاني ",بذل الماعون في فضل الماعون", لذا عمد المحقق إلى تحقيق وشرح كتاب الإمام السيوطي ",ما رواه الواعون في أخبار الطاعون", في هذا المؤلّف، كما استفاد من مقالات وأبحاث نشرها باللغة الإنجليزية المستشرق الإنجليزي لورانس كونراد، المؤرخ الذي تركز جهده على مدى سنين حول دراسة الطاعون والوباء في التراث الإسلامي.
كما راجع المحقق إلى كتب الحديث وشروحها، وكتب الطب النبوي، وإلى المراجع الطبية، ودائرة المعارف البريطانية لإستكمال موضوع بحثه هذا عن الطاعون، وعليه فقد سبعة فصول بين يدي كتاب الإمام السيوطي وهي: 1-نبذة تاريخية عن الطاعون، وفيه شرح لتاريخ الأوبئة العالمية للطاعون وما سبقها من طواعين أصابت بني إسرائيل... 2-سبب الطاعون بين الطب وحديث المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه ناقش المحقق سبب الطاعون عند القدماء... وما ذكرته الأحاديث عن وخز الجن... إلى ما هنالك من مواضيع... 3-أعراض الطاعون في التراث الإسلامي والطب الحديث، وفيه توضيح لدقة وإعجاز وعظمة الأحاديث النبوية في هذا الباب، وأنها على وجازتها وصنفت الطاعون أدق وصف وأبلغه، وكذلك ما كتبه الفقهاء والمحدثون حول الطاعون، ودقتهم بشكل فاق وصف الأطباء في هذه الأزمنة، 4-الحجر الصحي والطاعون، 5-الرسائل والمصنفات في الطاعون والوباء في التراث الإسلامي، 6-ذكر مخطوطات كتاب ",ما رواه الداعون في أخبار الطاعون", وأماكن تواجدها، وقيمة هذا الكتاب وميزته وما فيه من فصول، 7-ترجمة للإمام السيوطي.