وصف الكتاب
الحمد لله الذي بارك خلقه بنعمة منه، فجعلهم يطلبون العودة إليه، لأنه بذلك إنما ترك للقائه في ظلام الصحراء بصيصاً من الأمل يدفعه ليخرج من متاهة العطش والجوع التي ضاع فيها الفكر، واستغلق على العقل، وضرب على الحواس، فدخل الوهم، وحلّ الغناء.
إن أسرار الحياة المقدسة الدفينة في أعماق الغيب، وظلمات البحر المجهول الراكد في عالم ما بعد الموت، وطبيعة الوجود الحقيقي لهذا الكون الزاخر بالأحاجي والألغاز السرمدية...
كل هذه، تتحدّى الفعل كأروع ما يكون التحدّي، وتروغ منه كلما اقترب منها فتختفي، ثم تعود فتلّح عليه وتستدعي إهتماماً منه جديداً كلّما وهنت عزيمته، حاملة إياه إلى متاهات ودهاليز متشعبة متداخلة، دون ان تفقد الأمل في العثور عليها، لأنها لا تغيب أبداً عن ناظريه مهما نأت عنه وابتعدت، ومهما اختلفت صورها وتنوعت، وكأنها تلعب وإياه لعبة الظهور والإختباء، وهذه حقاً هي لعبة الحياة.
من هو ذلك الهاتف الخفيّ الذي يضج في أعماق كلّ حي؟ من هو الذي يدفعنا لأن نبحث عنه في كل شيء، حتى في الحصى والرمال؟ من هذا القاطن في محراب النفوس، بينما نفتش عنه خارجها؟....
إن الحضارة البشرية ما هي إلا محاولة بدائية للتعبير عن القدرة الخلاقة التي يملكها وذلك الكامن في النفوس... ما الحضارة إلى محاكاة للأصل المجهول الغامض المبهم الصامت الساكن في كل ذرة من ذرّات الوجود... ما هي الإنعكاس معتم للإبداع الكوني الخارق الذي نحن بعض من تجلياته الكبرى - نحن البشر - لأننا نملك ",الوعي",، وهل الوعي إلا النور الذي به يرانا، والعين التي بها نراه، و",نحن وهو", معاً، به نرى كل شيء.
إن ",الوعي الكوني الشامل", هو محيط الوجود الأزلي، وما نحن إلا أمواج تدرج على صدره، محاولة التعبير عن طبيعته، لكنها دائماً تتكسر على شطآنه اللانهائية عاقدة إليه، إلى أصلها، معلنة فشلها وقصورها عن الغاية التي من أجلها ارتفعت ",أنا فرد بيتها", على سطحه، كيف لا تفشل، والجزء - مهما كان كبيراً - لا يملك أن يحتوي الكلّ، ولا يمكن أن يوجد منفصلاً عن الكلّ؟
ما من شريعة دينية أو خلقية إلا وتدعو إلى إنكار الذات وتذويب الفرديّة المزعومة في أتون الوحدة الكليّة، متخذة من الزهو بهذا العالم مدخلاً لتعاليمها، وما أروع العبارة التالية في حثها الإنسان على التخلص من علائق الوهم الدنيوي ثم توجهه إلى ينبوعه الأزلي حين تخاطب النفس قائلة: ",إعلمي يا نفس أن كلّ ما مالك فاقد، وكل فاقد تائه، وكل تائه هالك، فاحذري يا نفس أن تملكي ما تفقدينه فتتوهي وتهلكي",.
وبعد، فهذه مجموعة من المحاضرات القيّمة هي بين يدي القارئ، تدخل إلى لبّ الحياة والموت، وتكشف خبايا عالم الفلسفة الميتافيزيائية، فإذا بها الوجه الحقيقي للفيزياء، وتتولى الإجابة على أشدّ الأسئلة إلحاحاً وأكثرها إستغلاقاً على العقل، وترسم لإنسان القرن الحادي والعشرين وما بعده صورة واضحة لطبيعته الحقيقية وواقعه كإنسان...
منذ أن بدأ بالتفكير، وذلك على الرغم من أن هذه المجموعة من المحاضرات تتناول معطيات تمّ التنقيب عنها من تحت أنقاض الزمن، وقد علاها غبار التبول والتحول الإجتماعي والحضاري، إلا أنها ما زالت ذهباً لامعاً رغم مروراً آلاف وآلاف السنين... وقد بقيت خالدة خلود الحقيقة.
هذه المحاضرات كان يلقيها ",سوامي فيقيكاتندا", على أسماع الناس، وقد تم جمعها في هذا الكتاب لأهميتها في إحتوائها على نصيب كبير من الحقائق الكونية، إن لم يكن النصيب الأكبر.