وصف الكتاب
يهدف هذا البحث إلى دراسة ظاهرة ",الاغتراب", التي تعيشها شخصيات الطاهر بن جلون الروائية، أحد أهم الروائيين في فرنسا، وفي العالم العربي، ولعل في حياته بقعة من الضوء تكشف اغترابه وانتقاله إلى أدبه فقد ولد سنة 1944 بفاس، واشتغل سنة 1968 بالتدريس بتطوان ثم الدار البيضاء، والتحق بعد ذلك سنة 1971 بباريس حيث حصل على الدكتوراه في طب الأمراض النفسية الاجتماعية. وعمل محرراً ثقافياً في جريدة (الليموند) الفرنسية. وقد كتب الطاهر بن جلون رواياته باللغة الفرنسية ثم ترجمت إلى معظم اللغات، وجمهوره جمهور فرنسي أوروبي فضلاً عن قرائه العرب، ولقد نظر النقد الغربي إلى الطاهر على أنه قام بتفكيك بنية القهر والتسلط والعبودية والاغتصاب العام للحرية والسلطة والإنسان والعدالة، ويتوزع إنتاجه بين الكتابة الروائية والمسرحية، والشعر والترجمة. حيث وجه الطاهر بن جلون أدواته الروائية المختلفة لتفكيك بنية المجتمع العربي، وفضح وتعرية المسكوت عنه في المجتمع والسلطة الأبوية أو السياسية أو الاجتماعية.
ولعل أهمية البحث تكمن في طموحه إلى الكشف عن حالات اغتراب الشخصيات المتعددة وأسبابها والتقنيات الفنية التي وظفت لبناء نفسيتها المغتربة ورد فعلها تجاه عوامل اغترابها، وكذلك انعطافها الباطني للتعبير عن مجرى التجربة العقلية، وهذا ما دعي من قبل ",ليون آيدل", بتيار الوعي، لذا فسيبحث في الطريقة التي عبرت بها القصة عن التجربة العاطفية والحسية للشخصيات.
كما وسيرد على بعض الأسئلة الرئيسة الآتية: ما الاغتراب، وما هي أشكاله؟ ما دوافع اغتراب الشخصيات؟، ما التقنيات الفنية التي وظفت لبناء الشخصيات؟، ما ردة فعل الشخصيات تجاه اغترابها؟
وقد فرضت هذه الأسلة تقسيم البحث إلى مقدمة ومدخل نظري وبابين وخاتمة. وتناول المدخل النظري ",مفهوم الاغتراب من وجهات نظر متباينة، ومدى انتشاره في العصر الحديث، وأنواعه (الذاتي، الاجتماعي، الاقتصادي، الديني، المكاني، الوجودي، الزماني، اللغوي). أما الباب الأول فيحاول الإجابة عن السؤال الثاني، عن دوافع اغتراب الشخصيات وأشكال اغترابها، إذ يبدأ الفصل الأول منه بتناول الاغتراب الذاتي من الباحثة عن ذاتها.
ويتناول الفصل الثاني كذلك ظاهرة الاغتراب الجسدي للشخصيات، من خلال الكشف عن ملامحها المغتربة والمسافة التي تفصلها عن جسدها، تم البحث أيضاً في الفصل الثالث في الاغتراب الجنسي للشخصيات من خلال الطقوس الجنسية الاغترابية.
وبحث أيضاً الفصل الرابع في الاغتراب الاجتماعي الذي تعيشه الشخصيات: كاغتراب الفرد عن العائلة والأقارب والمجتمع الفصل الخامس، إذ يحثت في القيم الدينية والاجتماعية المسببة لاغتراب المرأة، ومن ثمة الرجل كمسبب رئيس لاغترابها من خلال (الأب، الزوج، الأخ)، وكذلك بحث في السادس في الاغتراب الاقتصادي المادي منه والاستهلاكي.
وبحث في الفصل السابع ظاهرة الاغتراب الديني الذي تعيشه الشخصيات، وتناول أيضاً الفصل الثامن الاغتراب الوجودي انطلاقاً من الولادة (الوجود)، ومروراً بالموت (العدم)، وانتهاء بمرحلة ما بعد الموت (ديمومة الاغتراب)، ومن ثم دراسة ظاهرة الآخر وفقدان الذات لدى الشخصيات، والشخصية الموجودة في ذاتها ",التشييء",.
أما الباب الثاني فخصص للاعتبار والتشكيل الروائي، غذ وجه الفصل الأول منه للبحث في الاغتراب المكاني، حيث تم تناول اغتراب الشخصيات عن المدينة مركز الحضارة الحديثة، ثم في أكثر المدن اغتراباً لدى الشخصيات (فاس، طنجة)، وتناول أيضاً مفردات اغتراب المكان (المنزل، المقبرة، السجن، النزل، المسجد، السوق، المقهى)، ودرس الفصل الثاني إشكالية الشخصية والزمن من خلال صراعها والزمن.
وتتبع الفصل الثالث الاغتراب اللغوي (اللغة العارية أو المكشوفة، لغة القرف والتقزز، لغة التشاؤم والتطير، لغة الهزء والتهكم، لغة الحزن والتعلل والانهزام، لغة السؤال، لغة الهذيان، لغة المفارقة، المنولوج). وقد أفرد الفصل الرابع للإجابة عن السؤال الثالث، إذ تم فيه تناول تقنية الاغتراب الفنية وبحث في تقنية اللون التي وظفت توظيفاً ناجحاً من خلال (السواد، والبياض)، ومن ثمة تعدد الرواة المغتربين (اغتراب الرواة) في روايات الطاهر، والشخصية الضبابية والمعادل الموضوعي.
أما السؤال الأخير فتمت الإجابة عنه في الفصل الخامس من خلال البحث في رد فعل الشخصية المغتربة (الوعي بالاغتراب، الارتباط التلقائي بالعلم، الانتحار، اللامبالاة، الانسحاب، الاغتراب المضاد، التطرف الديني، الجنون والصرع، الثورة والتمرد والانتقام).