وصف الكتاب
يصعب على القارئ أن ينفذ إلى مقاصد ",هيجل", لوعورة أسلوبه وكثرة المصطلحات وتعقدها، وأيسر كتبه على الجمال وفلسفة التاريخ.
ويلاحظ الباحث في مؤلفات ",هيجل", أن فلسفته قاعدة أنسيكوبيدية. فقد درس بعمق الآداب اليونانية واللاتينية، وكانت له دراية واسعة بالرياضيات والعلوم الطبيعية والمناهج العلمية، وكانت له القدرة العجيبة على جمع المعارف على اختلافها وتصنيفها وتسجيلها في مذكرات خاصة به ولعل هذه العادة أفادته فائدة عظيمة في محاضراته الجامعية، وكانت عاملاً هاماً من عوامل حفظ تراثه الذي نشر بعد وفاته كما ألمحنا.
وكان ",هيجل", يؤمن من البداية بأننا لا نستطيع أن نتعمق الفكر بتحليله تحليلاً مجرداً على الطريقة الكانطية، وإنما تعمقنا للفكر يتم من خلال تعمقنا للتجربة الإنسانية، فالفكر يشع في جوانب هذه التجربة، علماً وأدباً وفناً وأخلاقاً وديناً وقانوناً وفلسفة، فالفكر هو، لا غرو، الروح المحرك للحضارة.
إن الواقع الذي نواجهه بأحداثه وتقلباته، في هذه اللحظة الحاضرة التي نعيش فيها، ليس كتلة منفصلة عن الفكر يقف الفكر أمامها حائراً، يحاول أن يلتمس السبيل لتحليلها وإدراك كنهها. و إنما هذا الواقع ذاته إن هو إلا نبت الفكر، ومن هنا كان انتقالنا من الفكر الخالص إلى الواقع ميسوراً كما كانت عودتنا من الواقع إلى الفكر الخالص مضمونة.
وتأسيساً على هذه النظرة الجديدة يرى ",هيجل", أن من العبث افتراض ",أشياء بالذات", ممتنعة على المعرفة، كما فعل ",كانط", فنحن حين نبحث في المضمونات المنطقية نتبين أن لها طبيعة باطنة وبناءً باطنياً ووحدة ضرورية لا يمكن أن نعزلها جانباً، ونوزعها بين ما هو داخل التجربة وما هو خارجها -كما ذهب إلى ذلك ",هيوم", و",كانط- فإذا كانت فكرة ما تنطوي على أخرى، فإن هاتين الفكرتين مرتبطتان في الداخل والخارج على حد سواء، وعلى ذلك فافتراض أن ثمة شيئاً يقع خارج التجربة فيه تخط لحقيقة أصيلة، وهي أن ",الداخل", و",الخارج", يكتسب كل منهما معناه من تعريفه بنفس الحدود التي يعرف بها الآخر. فكل ما هو خارج التجربة، هو كذلك بالنسبة لما هو داخلها فحسب.
وبينما يشيد ",أرسطو", المنطق على قاعدة جذرية هي قانون عدم التناقض ينهض جدل ",هيجل", على التسليم بحقيقة أساسية هي تناقض الفكر، فبفضل هذا التناقض يموج الفكر بالحركة، وتنبث حركته في تاريخ الحياة الإنسانية فيحقق في تيار هذه الحياة تطوراً لا يمكن أن يتم بدونه، ولو كان الفكر منحصراً في نطاق إمكانيات محدودة لدارت الحياة الإنسانية في دائرة مغلقة، ولما تمخضت حضارات متعاقبة تتباين سماتها وتتمايز قسماتها، وإنما الدليل على ازدهار هذه الحضارات أن الفكر زاخر بإمكانيات لا حد لها، تتحقق تباعاً في الماضي والحاضر والمستقبل.
ذلكم هو الإطار العام لمذهب ",هيجل", مستشفاً من واقع مؤلفاته. وطي هذا الكتاب دراسة لهذا الفيلسوف والتي عمد الباحث فيها إلى قراءة لما كتب عن هيجل ليركن فيما بعد إلى ما كتبه هيجل نفسه، وقد حاول المؤلف قبل ذلك إعطاء القارئ فكرة عن فلسفة هيجل بصورة عامة، ليتناول بعدها سيرة هيجل، عصره، حياته، مؤلفاته، منطق هيجل، أسس المنطق الهيجلي، فلسفة هيجل الأنطولوجية أو الميتافيزيقية، فلسفة الجمال عند هيجل، الخ...