وصف الكتاب
الحياة في اللغة ليست إلا الحياة في أصحابها، فإذا نظرت إلى اللغة دون أصحابها وجدتها جثة هامدة لا حياة فيها.
والواقع أن العربية تراث ثمين انتقل من السلف إلى الخلف، ووديعة أؤتمن عليها مئات الملايين من الناس فالتفريظ بها يعني ضرباً من الانحلال، لذلك فالمحاولات مستمرة لإغناء اللغة العربية وإقدارها على استيعاب العلوم والثقافات والحضارات الحديثة. ولكن يجب أن لا ننسى أن إحياء اللغة العربية لن يكون بوضع أفكار عربية، في قالب مستعار من الخارج. وإنما طريق اللغويين المحافضين على سلامة اللغة هي إلقاء الضوء عليها من الداخل، والتأمل في درسها باعتبارها وعاء الثقافة وأداتها. ولا يعوز اللغة في الوقت الحاضر إلا أن تخصص ألفاظاً من مفرداتها حتى تكفي مستلزمات العصر. ولن يرهق هذا كثيراً للدلالة على مستحدثات العلوم والفنون لأن في المعجمات العربية مئات الآلاف من الكلمات المهجورة والمستعملة، مما يصلح أن يوضع لهذه المستحدثات. فلماذا لا نفعل مثلما فعل العرب أنفسهم في صدر الإسلام والعصر العباسي؟
هذه هي الغاية الأساسية التي سعى إليها الشيخ عبد الله العلايلي في كتابه ",أين الخطأ", الذي طبع سنة 1978م. وحاول الكشف عن أوهام وأخطاء رددها الناس فأضحت من المسلمات، وفي كتابه هذا اهتمامات فكرية ودينية وسياسية وتاريخية وأدبية بالإضافة إلى القضايا اللغوية. والطابع اللغوي يغلب في كل كتبه تقريباً وخصوصاً في كتابه ",مقدمة لدرس لغة العرب", الذي وضعه سنة 1938، وفيه محاولة لإعادة درس لغة العرب من جديد.
وانطلاقاً منها وضع ",المعجم", سنة 1954م، ثم ",المرجع", سنة 1963م. ومن خلال فهمه لعلاقة اللغة بالعلوم الإنسانية الأخرى تشعب نتاجه فكتب في موضوعات مختلفة، وكتب في السياسة ",إني أتهم", سنة 1940م ليظهر ثورة ناقمة على الممارسات الشاذة.
ولم يتوقف عمل الشيخ عبد الله العلايلي، فأفكاره تنبع من داخله لتظهر بشكل إبداعي، ولتسقيم دراسته في خطوات تجديدية. أما نتاجه فكان لغوياً في الأساس، واللغة عنده متحركة من خلال مقترحاته، ونشاطاته المعجمية، ومن خلال مواقفه الجريئة.
هذا النتاج جعل في فصلي هذا الكتيب الأول يتعلق بتحركاته في المجالات المختلفة المذكورة. والثاني يتضمن الاهتمامات المعجمية.