وصف الكتاب
إن الدعوة إلى التوقف، بين فترة وأخرى، لاستعادة لحظات هامة من الماضي، واستعادة ملامح الناس الذين عاشوا فيه، لا تعني الوفاء لهذا الماضي وناسة فقط؛ بل الأكثر أهمية أن تبقى الدورة الدموية تسري في العروق لاكتشاف النبض الحقيقي للحياة التي كانت، وأن تتواصل هذه الدورة، لتكون لنا ذاكرة، وكي يصبح كل كل جيل، وكل فرد مبدع، جدولاً أو نقطة في نهر الحياة الكبير. والكاتب يوسف العاني في كتابه هذا ",شخصيات وذكريات", يأخذ على عاتقه هذه المهمة، مركزاً على المبدعين في الفن والأدب، وليأتي ذلك بصيغة تاريخية.
لذا فإن هذا الكتاب هو تأريخ للفن والأدب في مرحلة معينة، ضمن منظور الذاتي والموضوعي، وكان سببه أو الدافع إليه هو الموت.. موت هذا المبدع.. فإنه وحين يحلّ الموت، وتكتمل الدورة، لا بدّ أن تستثار عواطف وأفكار، ومع استثارتها تتلاشى الأشياء الصغيرة، ويكون الحكم أكثر صواباً على حياة هذا الذي غادر إلى الأبد، ومدى تأثيره فينا، وما تركه لنا وللأجيال القادمة من أثر.
بالإضافة إلى ذلك فإن تعاقب الشخصيات والذكريات في هذا الكتاب يرسم ",كروكي",، إن لم نقل مصوراً كاملاً لمساحة الفن، خاصة المسرح في عدد من البلدن العربية عبر فترة زمنية طويلة، يفعل الكاتب ذلك من خلال التجارب والعلاقات الإنسانية، وبذلك التوهج الحي الذي يساعد في تلمس البدايات ومعرفة المراحل، وحجم المساهمات، وأيضاً بذلك التفاعل العربي المفتقد في المرحلة الحالية.
وإذ كان يوسف العاني قد رسم تضاريس الحياة الفنية في العراق، وضمن مجالاتها المتعددة وأضاف إليها لقطات إنسانية لأساتذة وزملاء وأقرباء، فإنه لم يغفل عن البعد العربي، إذ بمقدار ما كان وفياً لزملائه في بغداد، كانت علاقته العربية أفقاً زاد ملامحه وضوحاً، وأكسب تجربته غنى، من خلال التفاعل مع المحيط، ومن خلال المشاكرة النشيطة من أجل خلق مسرح عربي متميز، وسينما عربية لها ملامح المكان والمركة التاريخية.
وهذا ما جعل هذه الشخصيات وتكل الذكريات تمتد إلى المنطقة كلها، وما جعل تجربة العاني هذه تكتسب بعداً عربياً لافتاً. ويمكن القول بأن العاني ومن خلال كتابه هذا جعل القارئ يطل على نصف قرن من الفن، وهو خلال نصف هذا القرن كان هاماً وأساسياً، إلا أنه لم يكن له ظهوره ولم نبنِ آثاره إلا ألمام ومن خلال الآخرين، في الوقت الذي يستحق فنه يوسف العني وقفات طويلة أمام مسرحه ونصوصه لمعرفة هذا الجهد المتواصل لهذا المبدع.