التصوف هو مجرد وعي بحقيقة عليا تكمن وراء الموجودات المحسوسة في هذا العالـــــــــــم والشعور بالرغبة في السعي لمعرفة هذه الحقيقة. وهذه النـزعة الإنسانية وما يترتب عليها من معتقدات ومشاعر وطقوس و ممارسات جاذبة للإنسان للإتصال بعالم الغيب، وهي تميــــــل بالإنسان عن العالم المادي، وترتفع إلى العالم الروحي، بل هي حاجة فطرية يشعر بالحاجة إليه كل كائن حيّ، وإن اختلفت تسميتها وتعريفاتها وصورها باختلاف العصور. والتجربــــــــــة الصوفية في حقيقتها ظاهرة روحية تقدّمت الأديان السماوية المعروفة.

فالتصوف بمعناه التعبّدي، وبهدفه الذي يَنشده وهو صلة الإنسان بالخالق والتوق إلى معرفته، والعمل على أرضائه، والدعوة إلى الحبّ المطلق ، الحبّ الالهي، وما يفيض به هذا الحب من نجوى وأنس وسعادة وإطمئنان شيء مشترك بين الشعوب لانه خُلق مع الإنسان ، لأنه فطرة الروح وغاية الحياة . فالإنسان مادة وروح فهو ليس جسماً محضاً ـ ولا روحاً محضة، إن تكوينه يشمل الجانبين معاً. ومن خلال التقاء الروح بالبدن أي النقيض بالنقيض نشأت فلسفة العبادة أو التصوف، فهو مذهب عالمي يتلوّن في كل أمة بلون عقائدها وتفكيرها. فهذه هي الخطوط الأساسية الاولى للتصوف ، وهو بهذا المفهوم شرعة عالمية وفلسفة انسانية ، لكل شعب فيها نصيب، هوليس خاصاً بطائفة معيّنة من الناس أو دين واحد من الأديان.

ولأن التصوف شديد الصلة بالعقائد والديانات، عرضنا في هذا الكتاب التصوف عند الأمم مع ذكر أديانهم، وكل متصوف يتأثر بعقيدته الدينية، فهناك تصوف هندي، وتصوف بوذي، وتصوف صيني، وتصوف فارسي، وتصوف يوناني، وتصوف يهودي، وتصوف مسيحي وتصوف إسلامي…. وسنرى أن كل تصوف يتأثر بعقيدته، ويختلف باختلاف العقائد والغايات. والفكرة الدينية التي يرتكز عليهاالتصوف، هي اساس هذا الكتاب .
وقد قسمنا البحث إلى ثلاثة فصول .
الفصل الأول سنتكلم فيه على ملامح من التصوف، في الخرافات والأساطيرعند بعض الأمم.
والفصل الثاني سنتكلم فيه على التصوف في الديانات غير السماوية الهندية ، والصينية، والزرادشتية ـ وعلى التصوف في اليونان القديم .
ثم سنتكلم في الفصل الثالث على التصوف في الأديان السماوية: اليهودية والمسيحية، والإسلامية. ثم سنتتحدث على نشأة التصوف الإسلامي والأصول التي استقى منها نظرياته سواء أكانت إسلامية ام غير إسلامية، ونقاط الإتفاق والإختلاف بين التصوف الإسلامي وغيره من أنواع التصوف، وأشفعناها بشىء من النقد. كما سنتحدث عن شخصيات من كل تصوف، وسنذكر جملة من أقوالهم ومواقفهم وآدابهم وسلوكهم لأنهم يشكلون التطبيق العملي لعقائدهم.
كما أن هذا الكتاب حافل بالشواهد من الكتب الدينية وبالنصوص الأدبية الصوفية المختارة من المتقدمين والمتأخرين، وحاولنا أن تكون النصوص من الكتب المتفاوتة زمناً ومنهجاً كي يكون الموضوع شاملاً، وإذا مرّ في موضع شاهد شــعري أو نثري، عنيت بالترجمة المختصرة لصاحبه.