انتشرت الفنون القتالية في الآونة الأخيرة بشكل واسع لم تشهده الأنواع الأخرى من الفنون والألعاب الرياضية، وكان لهذا الانتشار الغريب سبباً مهماً جذب الكثيرين بصورة قوية وعجيبة، ولكن ظل لهذا السبب إشارة استفهام كبيرة عند معظم هؤلاء ممن مارسوا هذا الفن وتمرسوا فيه، وكان السؤال يطرح نفسه منذ البداية وانتهى بهم المطاف دون معرفة الجواب.

إن لهذا الفن طابعاً خاصاً يلفت النظر إليه بما فيه من مظاهر القوة والتقنية ووضوح للنزعة القتالية والانفعالات الفطرية، ولكن حقيقة هذه الظواهر هي الروح البشرية التي تحيا بها النفوس، والتي جبلت على فطرة الإيمان والتي تحس بأن هناك عالماً آخر تنتمي إليه، فكانت النفوس تأتي بشكل فطري هذا المجتمع المادي والذي بات فيه الإنسان اليوم كالآلة بما عم وانتشر بسبب الماديين، ولكن النفوس على الرغم من أنوفهم لا تحيا إلا بهذه الروح التي طالما أحست بأن لها خالقاً أوجدها. إن هذا التناغم مع الروح والذي ظهر بأحد إشكاله مع النفس في هذا الفن بالذات كان ملجأ فطرياً للكثيرين ممن أعيتهم المادة وباتت نفوسهم تائهة عطشى لفقد روحهم البيئية المناسبة لها.

وفي هذا الإطار جاء هذا الكتاب الذي نقلب صفحاته، والذي يحتوي على بحث في الفنون القتالية على ضوء الكتاب والسنة، وفيه يبين الكاتب عدة أمور لم يتطرق إليها الكثيرون عما يتعلق بهذا الفن القتالي، إلا وهو الجانب الروحي فيه، وما يكمن خلفه من القوى، ثم علاقة ذلك بالقوة الجسدية، كاشفاً عن ذلك بهدى الإيمان وعلوم الإسلام. ولقد اعتمد المؤلف من منهاجه التحليل والتجريبي على كلمة التوحيد والإحساس الفطري الموافق لها، ثم بالتالي تحليل الأحاسيس والتفاعلات العملية الكسبية والفطرية والعلاقة بينهما ضمن ضابط التوحيد والفطرة والشريعة حتى استخلص ما وصل إليه من مفهوم الروح وسلوك النفس البشرية.

يبحث هذا الكتاب في بعض أهم مقومات القوى الروحية والجسدية وأبرز العناصر التي تربط بينهما ليظهر منهما في النهاية القوة النفسية التي تحرك هذه النفس وتحدد سلوكها. كما يطرح نظرية للقوى النفسية ويبرهن أن القوى الكاملة في السلوك القتالي أو السلوك بشكل عام في هذه الحياة إنما يكمن في عقيدة التوحيد والتي مفادها إخلاص العبودية لله تعالى. وأن الإنسان الموحد لديه من القوة الروحية ما يمتاز به عما سواه مستدلاً على ذلك بالكتاب والسنة والبرهان الحسي.

كما يقدم تأصيلات بأسلوب جديد فيما يتعلق بمفهوم الإسلام والعبودية والكفر-ولعله يريد م القارئ أن يتلمس ما يكمن في مدلول كلمة التوحيد ومقتضاها العلمي من مفهوم القوة الوحيدة المحققة للفلاح والانتصار على أعداء الله والذي يتجلى اليوم في مذاهب الكفر المعاصرة وعلى رأسها الصهيونية العالمية.

ويعرض تجربة المؤلف الخاصة في الفنون القتالية ومنهجه الفكري والعملي في بناء الشخصية الإنسانية بشكل عام والقتالية بشكل خاص دون التقيد من الناحية الفنية بأسلوب معين من أساليب الفنون القتالية ومدارسه لاعتقاده بأن الحكمة والفائدة ضالة المؤمن أينما وجد ذلك أخذ به.