وصف الكتاب
لقد بدا لي أنني إذا استطعت أن أتعلم كيف أكون ",إيجابية",؛ أي أن أرى الجانب المشرق من كل موقف، وأن أجد طريقة لتحقيق أقصى استفادة من كل ما أتعرض له، فستكون النتيجة الطبيعية هي السعادة، والهناء، والفرحة. وانجذبت إلى كلمة ",الحاضر",؛ لأنني إذا استطعت أن أبقى حاضرة الذهن - وأصب تركيزي على ما يحدث الآن، لا ما حدث في الماضي، أو ما قد يحدث في المستقبل - فسيقل قلقي بشأن ما حدث بالفعل، ويقل تساؤلي عما قد يحدث، أو ما قد لا يحدث أبدًا، وبدلًا من ذلك، أجد طريقة لاستغلال كل لحظة أعيشها في حياتي؛ وهو ما قد يؤدي بي إلى الشعور بأنني أكثر نجاحًا، وابتكارًا، وإنجازًا. وكلما تفكرت، ازدادت العناصر التي أضعها على قائمتي، وأدركت أن بإمكاني، بطريقة ما، أن أحقق كل عنصر أرغب فيه من العناصر الواردة بالقائمة، إذا تعلمت ببساطة أن أكون أكثر إيجابية وتركيزًا على اللحظة الراهنة.
وبعد ذلك، طرأ تحول جذري على الطريقة التي أفكر بها في الحياة؛ فبدلًا من محاولاتي المستمرة لإيجاد السعادة؛ وهو ما لم يكن ينجح معي بشكل واضح، قررت أن أصبح إيجابية، وأن أعيش اللحظة الراهنة بكل جوارحي. وحين قرأت هاتين الكلمتين المكتوبتين على الصفحة، اللتين وضعت حولهما دائرتين، فكرت في ابتكار عبارة رمزية - لمساعدتي على التذكر في الأوقات التي أجد نفسي فيها أجاهد كي أكون إيجابية وحاضرة بكامل تركيزي - وبعد محاولة تشكيل تلك العبارة، أصبحت: ",العيش في إيجابيات الحاضر",. وكانت هذه العبارة في رأيي مثالية؛ فقد مثلت ما كنت أتوق إليه في حياتي؛ لا حالة مراوغة من السعادة، أكون مضطرة طوال الوقت إلى انتظارها، بل هي خيارٌ فعال يمكنني اتخاذه كل يوم.
كان هذا إلهامًا كبيرًا بالنسبة إليَّ؛ إذ يمكنني على الفور أن أعيش إيجابيات الحاضر؛ وهو مزيج من فعلين يمكنني تأديتهما في أي وقت لتأسيس حياة كاملة (لا مجرد لحظة فقط) تقوم على الرضا والتقبل. ولم أكن أحتاج إلى أشياء، أو أشخاص، أو مواقف معينة كي أعيش تلك الحياة، بل كل ما كنت أحتاج إليه هو اللحظة التي أعيشها، وعقلي.
وكلما فكرت في مفهومي عن عيش إيجابيات الحاضر والتركيز عليها، كنت أشعر بأن الألعاب النارية تنطلق في داخل ذهني، وتضيء مصابيح النيون لتشكل كلمة نعم! ربما تكون قد سمعت بمثل هذه اللحظات من قبل - ",لحظات التجلي", كما تدعوها ",أوبرا وينفري", - عندما تدرك أخيرًا ما يجب أن يحدث، وفجأة تتحلى بالقوة والشجاعة التي لم تكن تعرف أن عليك السعي للتحلي بها؛ هذه هي اللحظة التي مررت بها بالضبط.
وقد كنت متحمسة جدًّا لذلك الإدراك الذي قد يغير حياتي، لدرجة أنني لم أرد أن أحتفظ به لنفسي فحسب. وكنت أقضي الكثير من الوقت في تصفح المدونات والمواقع الإلكترونية التي تعج بالنصائح والإرشادات الملهمة؛ فخطر على بالي أن بإمكاني، أنا أيضًا، أن أنشئ موقعًا إلكترونيًّا لأشارك الآخرين ما مررت به وتعلمته. وفي البداية راودتني بعض الشكوك؛ فكنت أقول لنفسي إنني لست خبيرة في هذه المسألة، ولست حاصلة على درجة علمية في مجال علم النفس، كما أنني كثيرًا ما صارعت طوال حياتي كي أكون إيجابية، وكي أعيش حاضري؛ فبم سأنصح غيري في هذا الشأن؟ ولكنني حين تحليت داخليًّا بالقليل من القوة، نحيت تلك الشكوك المزعجة جانبًا، وأنشأت الموقع الإلكتروني بعنوان PositivelyPresent.com؛ فقد فكرت في أنني ربما أستطيع، إذا تحليت في النهاية بالقوة الكافية لمشاركة ما أكتبه، مساعدة شخص آخر كذلك على تعلم كيفية التركيز على إيجابيات الحاضر، وكيف يمكنه أن يعيشها. وكان حلم حياتي أن أكون كاتبة، كما كنت محتفظة بمفكرة دونت بها أفكاري على مدار سنوات عدة؛ لذلك بدت لي فكرة إنشاء موقع إلكتروني لأدون عليه تجاربي اليومية، فكرة ذات معنى. ورغم أنني لم أكن أعرف من سيقرأ ما أدونه، كنت أعرف في قرارة نفسي أنه ليس عليَّ أن أدوِّن تجاربي ومعارفي فحسب، بل أن أشارك القراء كتاباتي أيضًا.
بدأت أوثق رحلتي في البحث عن الكيفية التي يمكنني بها أن أعيش الحياة بجميع جوارحي، وعلى نحو أكثر إيجابيةً على الموقع الإلكتروني، الذي بدأ موقعًا صغيرًا، كوسيلة بسيطة لتسجيل تجربتي الشخصية خطوة خطوة، وربما إشراك أشخاص آخرين فيها، لكنه مع ذلك غيَّر كل جانب من جوانب حياتي، وتأكدت من خلال مئات الرسائل الإلكترونية، والتعليقات، والخطابات التي تلقيتها أنه أثر بدرجة كبيرة في حياة الآخرين كذلك. واستطعت عن طريق هذا الموقع الإلكتروني التواصل مع الكثيرين ممن كانوا يشعرون بشعوري نفسه - وهو أن ملاحقة السعادة لا تجدي نفعًا؛ ومن ثم لا بد من أن يكون هناك منظور آخر لرؤية الأمور - وكلما تلقيت تعليقات إيجابية من القراء، كنت أزداد تحفزًا وحماسة.
وقد أصبح الأمر بالنسبة إليَّ أكثر من مجرد وسيلة لمواصلة مجال عملي ككاتبة؛ فقد كنت أشعر بأنني وجدت شغفي الحقيقي، ولما تلقيت أول بريد إلكتروني من إحدى قارئات الموقع الإلكتروني؛ تخبرني فيه بمدى تأثيري في حياتها، شعرت للمرة الأولى بشعور عميق ودائم بالرضا. وبدأت الرسائل الإلكترونية من الرجال والنساء حول العالم تنهال على صندوق بريدي الإلكتروني، يخبرونني فيها بالأثر الذي أحدثه أحد الموضوعات التي كتبتها في حياتهم؛ فيقولون مثلًا إن الموضوع الذي كتبته قد لملم جراحهم، أو حسن صداقتهم، أو غير طريقة تفكيرهم، أو حال دون الإقدام على الاكتئاب، كما حدث مع إحدى الحالات. وبينما كنت أحاول أن أحيا في عالمي الخاص بمزيد من التركيز على إيجابيات الحاضر، كنت أؤثر في حياة الآخرين أيضًا على نحو إيجابي. وعندما كان الموقع الإلكتروني يعمل بكامل طاقته، كنت أشعر بدرجة أكبر بأنني ملتزمة بأن أعيش إيجابيات الحاضر، حتى عندما يكون الأمر في منتهى الصعوبة، كنت أعرف أن عليَّ أن أحاول، ليس لمصلحتي فحسب، بل لمصلحة قرائي أيضًا.