وصف الكتاب
إن الوقوف على حقيقة الواقع الفكري لدى الإنسان، هو السبيل الوحيد لإدراك الحقائق ومعرفة مدى البناء الفكري وما يجب لإدارة الخارطة الفكرية داخل المنظومة والإطار الجماعي، هذا الإدراك يتوقف على مدى الإتزان في التفكير، وعلى عدم التنميط والقولبة. والتفكير سلاح ذو حدين؛ فحين يتحجر يولِّد العجز والخواء والجهل والعماء؛ ولذا وجب علينا التعامل مع المستجدات في إطار من المعاصرة بإعتدال؛ حتي لا نضيع في غياهب التضليل والتبسيط والتهوين والتلفيق والتزييف.
نقدم هذه الإسهامات الجادة التي تمرن العقل وتنشط الفهم وتفكر في المفقود بعيداً عن الاستثناء والضرورة وحالات الطوارئ وشعارات التصدي والمواجهة والمجابهة، فباسم هذه الكلمات مورس استغلال وجرائم بحق شعوب كاملة، وألقي بالإنسان في غياهب ضياع في ضياع. إننا نكره فكر الضرورة التي أملتها جوقة بعض السلاطين ووعاظهم من المثقفين، فهي كما يقول رئيس الوزراء السابق وليم بت (1759م- 1806م): ",ذريعة كل انتهاك للحرية الإنسانية، إنها حجة الطغاة، إنها عقيدة العبيد",، بل نفهم أن الواجب علينا إزاء تحديات الراهن التي يمليها علينا القهر الداخلي والظلم الخارجي، وهذه ليست ضرورة بل واجب حقيقى.
إن التفكير في تفكيرنا وخارطتنا الجغرافية الفكرية والتكلم بصراحة عن دوائر التأثير الحقيقية والقراءة في منظوماتنا البنائية الفكرية هو الخطوة الأولى للخروج من الهوان المبصر، فجذر المشكلة يكمن في مرجعيات المعنى، وأنماط الرؤية، أو في شبكات الفهم، وسلم القيم، -أي في عالم الفكر بنظامه ومسبقاته أو بقوالبه أو أحكامه أو بإداراته أو سياسته- ولا عجب، فالتفكير الذي هو حيلة الإنسان سلاح ذو حدين قد نصنع به المعجزة، ونخرق الشرط، ونفك الطوق، لكي ننتج المعرفة والثروة والقوة بقدر ما نمارس علاقتنا بوجودنا بصورة حية وخصبة، خلاقة وبناءة وفعالة وراهنة، وقد يولد التفكير العجز والخواء، أو الجهل والعماء، أو التسلط والاستبداد، وذلك بقدر ما نتعامل مع أفكارنا بصورة متحجرة ومغلقة، أو أحادية وحتمية، أو طوباوية وفردوسية، وبقدر ما نتعامل مع الأحداث والحقائق على سبيل التبسيط، والتهوين، أو التهويل، والتضليل، أو التلفيق والتزييف، أو التهويم، والتشبيح.
وهكذا فأزماتنا وكوارثنا ليس مصدرها الآخرين أو الأقدار فحسب، بل أفكارنا بشكل خاص كما تتجسد في العقليات والمرجعيات، والنماذج والمقولات والتصنيفات، والعقائد والطقوس، التي تهيمن على المشهد الثقافي العربي، وتتحكم في الخطابات، التي في غالبها تنتج العوائق والمآزق، وتلغم المساعي الوجودية والمشاريع الحضارية، وقد أوضح الدكتور عبد الكريم نقاطاً مهمة فبين قائلاً: إننا معاشر المشتغلين بصناعة الثقافة، ربما كنا مبالغين في تقدير دورنا في نهضة الأمة وإصلاح شأنها. لكن هذا لا يمنع من الإستمرار في العمل، إنما مع ضرورة البحث عن الوسائل والأطر التي تحول الأفكار الجيدة من كلام منطقي منمق إلى تربة خصبة تحتضن الشجرات الباسقة.. ما بين أيدينا أوراق فكر وتربية، شارك المؤلف أمته واجب التفكير في النهوض عبر محافل إعلامية مرموقة، عودة إلى الذات من أجل إيقاظ الوعي والتفكير في المفقود، وإحياء للانضباط الشخصي والمبادرة الذاتية.