وصف الكتاب
«على هذه الأرض» العنوان الذي اختارته الكاتبة ",ربى عبد الحي", لتروي قصة فتاةً مغامرةً ممتلئةً بالعاطفة والتّمرد. ثنائيةٌ قد لا تبدو غريبةً، على من عاشت مثلها في كنفِ حكايات الجدّة، ضمن بلدٍ مولعٍ بفرض القيود بكل أشكالها، الاجتماعيّة والفكريّة والدّينية، ومستسلمٍ بالنتيجة لقيدٍ فُرض عليه سياسيّاً.
هذه العلاقة الثنائية بين الحفيدة ...ماري والجدّة مريم هي جوهر البناء السردي في الرواية يضاف إليها عنصر التذكر حيث تعود الجدّة بذاكرتها إلى أيام الحكم العثماني لبلاد الشام وصولاً إلى أيام الحكم الحالي في سورية وضمن حدود الوطن وخارجه ولذلك فإن الشخصيات (مريم، شمس، جبرا، مرثا، عيسى، جرجس، فراس، عروة، ماريانا، وائل، طوني، مايا، ساري، ندى) عاشت كل تلك المراحل ما يجعلها أقرب إلى عوالم حقيقية بتجلياتها المباشرة أو الموحى بها هنا وهناك؛ بما فيها من أحلام وخسران.. ثورات.. حرب.. تشريد.. اعتقال.. سجن.. مرض.. هجرة.. حدثت في ظلّ الوصاية العثمانية والانتداب الفرنسي والحكومات المتعاقبة على سورية، وقد أضفت الكاتبة الكثير من الصنعة الفنية على العوالم والأحداث المتذكرة والآنية في النص. عندما جعلت ذاكرة الجدّة تحيل إلى رواية من قِبل الحفيدة ",المرأة المثقلةُ بذاكرتين الّتي غدوتها تفي بوعدها وتبدأ",. هذا الشكل الأسلوبي، هو تعبير عن تحقق نصي جديد، يجعل كل مراحل العمل الأدبي تسير في اتجاه تحقيق نهاية ما تكون هي الهدف.. والتتويج الأخير لمطاف أحداث رواية تبدأ ولا تنتهي في الوقت نفسه...
من أجواء الرواية نقرأ:
",يطاردون ذاكرتي. يصادرون رغبتي بالصّمت. يعتقلونَ حقي المشروعَ بالعزلة. كيفَ أقنعُ هؤلاء الأطباء المتحصنينَ خلفَ أثوابهم البيضاءَ، بأن البقعَ السّوداءَ الّتي خلفتها الحربُ بينَ ثنايا روحي عصيّةٌ على التنظيفِ، مهما استخدموا في علاجها من مضاداتٍ مبتكرةٍ للبقع.
كيف أقنعهم بأني، وبعد أن ضجّت أذناي لشهور طويلةٍ بأصوات المدافعِ، والطائراتِ، وعويلِ النّساءِ، وصرخاتِ الأطفالِ، والمنكوبينَ، أحتاجُ الآن وبشدّةٍ للصّمت، كحاجتي لأن أتوسدَ حضنكِ، واستمعَ بسكونِ طفلةٍ منبهرةٍ إلى حكاياتكِ الشّيقةِ عن الماضي.
كنتُ أعجبُ من ذاكرتكِ.
وكنتِ تعجبينَ من رغبتي الدّائمةِ في الإبحارِ في تفاصيلها.
غريبةٌ هي الحياة",.