في الظلام ومع سطوة النجوم، عندما يتعانق اصفرار الرمال الذهبي بزرقة الليل؛ حينها أتهاوى على ذلك السحر الذي يرسله الأفق من بعيد وأنا أبحر بعينيّ على مدد لا ينتهي، أشعر حينها باسترخاء يبعد عني تلك اللسعات لحبيبات الغبار لليوم السابق؛ التي نخرت وجهي وعواصف بالأمس كانت في كل اتجاه تهزني بوقاحة، لتحجُب نظري بلثامي بعد أن تلاعبت به أيادي الرياح، في لحظة ما وجدت نفسي أجتهد في محاولة سخيفة لاصطكاك أسناني وأنا مغمض العينين؛ أتخيل نفسي في يوم بارد قاس بكوخي وقد هجم عليه الصقيع. لا أدري لماذا كنت أصر في تلك اللحظة أن أستعيد ذلك الشعور! لعل العرق الذي انساب على صدغي، أو حبيبات الرمل التي التصقت بجلد رقبتي قد نسفت تيهاني الذي دخلت فيه، بفرط ذلك الفراغ الذي أفقدني صوابي للحظات. أدركت حينها أن الصحراء قد تمنحك بروحها لتتأمل ولتفكر على مهل، وقد تدمرك بعمق فراغها وإيقاعها الساكن. قطع تفكيري خيالٌ يتحرك بالقرب من السياح المختطفين ليلتها، جلس وكأنه يُخفي نفسه، ثم سحب لفافة ورق ووضعها أمامكم وبدأ في إطعامكم بيده، ومع وقوفه اقتربت من المكان خفية. كنت أريد أن أكتشف من يكون. تتبعته خفية لأتأكد في الأخير أنه التارقي أمومن الصيّاد يخفي نفسه، وهو صاحب الخيال بعد أن ابتعد بسرعة عندما شعر بوجودي.