لا أدري من أين جاءت كل تلك الدموع . كيف تفجرت؟ من أين تفجرت؟ هل هي دموع نقية طاهرة، صادقة؟ أم هي دموع خوف ورعدة؟ هل هي دموع استسلام لقدر مغيب؟ أم هي دموع رفض لحنان خنقته الغصّات؟
لماذا انجررت إلى هذه اللحظات مثل كلب مربوط بقيده؟
ومن أين يستمد هذا الكاهن السلطان الذي يخوله أن يسمح لي بأن أنكح هذه المراة لتنجب.تعيش لذتها وأبادلها اللذاذات؟ وإلا فهي امرأة زانية؟ يا للكفر؟",
حول كل هذه الهواجس والمخاوف كان الحوار يدور بيني وبين أستاذي.
لمن الغلبة في النهاية؟ من سيكون المنتصر. حلف بغداد أن عبد الناصر؟ السعةدية والتضامن الإسلامي أم القومية العربية؟ دول عدم الإنحياز (مصر، يوغسلافيا، الهند، إندونيسيا، والحبشة) أم حلف الأطلسي؟ حلف وارسو ودول المعسكر ا لشرقي، أم دول المعسكر الغربي؟ وأين سيكون موقع لبنان في صراع الجبابرة؟ هل الحياد أجدى نفعاً له أم الانحياز؟ ومن سيحترم حياده؟ وماذا سيجني من انحيازه؟ أسئلة واستفسارات وهواجس تتكدس وتتراكم، وكلها تنبئ بأن لبنان مقدم على التشتت والتشرذم والانفصام في الشخصية.
كنت أسأل والأستاذ يجيب. وكنت أستوضح وهو يستفيض في الشرح. ولم يكن الأستاذ يجرؤ يوماً على أن يسكب على الورق ما في داخله من المخزون السياسي المبني على المنطق والاعتدال.
كانت الفرص تفوته والجرأة تخونه، فيفقد شجاعته كلما واجه صفحة بيضاء من الورث، كمراهق يتردد في اقتحام عذراء لا تعطيه ذاتها بملء إرادتها!
كنا معاً ضد القومية العربية ذات النزعة الدينية الإسلامية ولم نعتقد قد أن التضامن الإسلامي هو المنقذ الوحيد لأوضاع الأمتين العربية والإسلامية. وكنا مؤمنين إيماناً راسخاً بأنه لا يجوز أن يظل الوطن مختبر تجارب فاشلة. وأن على رأس الحكم استعمال الحكمة والروية من فوق الرشاش والصاروخ والمصفحة وراجمات الصواريخ والمعدات العسكرية التي يجب أن توجه فقط إلى العدو.
وإن قضية فلسطين ستظل قائمة إلى أن يطرد العرب آخر صهيوني من الشرق العربي أو تحتل إسرائيل الشرق العربي بأسره. وأن القبول بالأمر الواقع لن يجلب الاستقرار، وإذا سكتنا عن الصهاينة فلن يسكتوا هم عنا.