وصف الكتاب
",تنبهت نورة من ذكريات تلك الليلة على صوت ماجد يسألها:",هاه... ما رأيك في أساس المنزل؟ أتمنى أن يعجبك تصميمه",. ",جيد، أشكرك يا ماجد. أتى أمر هذا البيت في الوقت المناسب.", ردت ممتنة. ",لو كان لديك أي تعديل فأخبريني به، فما زالت هناك فرصة للتغيير، خاصة لو كنت ستتخذينه مقرّاً ...لمشروعك",. ",لا، يا ماجد، سأستأجر مكاناً لإقامة مشروعي. أحتاج الى منزلي لأقيم فيه، لا أريد وصاية من أحد عليّ بعد الآن حتى في السكن، ولا أظن والدتي تمانع ذلك، فلا يفصلني عنها سوى حائط، ان أرعبها أزلته، وأنت لا مانع لديك أليس كذلك؟",. ",بالتأكيد، لا مانع، أنت يا نورة بعشرة رجال. لا أقلق على بقائك وحدك حتى لو كنت في الصين، ثم انك لست وحدك بالمعنى الحرفي للكلمة، فكلنا نحيط بالمنازل، وبحبنا",. قطع حديثها رنين محمولها، من نفس الرقم المجهول، ماذا سيسمعها هذه المرّة، أم أنه سيصمت كعادته؟ تجيب، ولا أحد على الطرق الآخر... قطعت الخط. لاحظ ماجد شرودها. أخبرها بأن ابراهيم لم ينقطع عن الإتصال به محاولاً إرجاعها، أجابته: ",بطلاقي منه تسلمت مفاتيح بيت الطاعة الذي شيّده حولي على الرغم من أن الباب مشرع أمامه... وأنا كنت كذلك، فمنذ اللحظة التي اكتشفت فيها كذبه وخداعه، وأمر الطلاق كحلّ للمشكلة، لا يبارح تفكيري، ولكنني لم أجرؤ على اتخاذ القرار بالمغادرة، وبقيت هناك. أقضل مكاني الذي اعتدته على المجهول الذي لا تبدو ملامحه واضحة أمامي، تحاصرني مخاوفي وظنوني، وسوط المجتمع الذي لن يرحمني فيما لو طلقت، حتى جاءت اللحظة التي دفعني فيها خارج القفص بوحشية، فإذا بي كذاك العصفور المرتعد الأطراف يمشي على قدميه الصغيرتين ببطء وتردد، حتى أنسته الأيام كيف يفرد جناحيه ويطير... وما هي إلا وهلة حتى فتح باب آخر بدل الذي أغلق، وإذا بالطائر الصغير يخفق بجناحيه بالفطرة، وينطلق محلقاً عالياً، حيث يحب أن يكون...",. ضمن مناخ روائي سلس، تكشف الروائية عن مدى الغبن الذي يحيط بالمرأة التي تعيش في مجتمع ذكوري يمجد الرجل والرجل فقط. تحاول نورة الشخصية المحورية، التي تملك حسّاً فنياً، ومشاعر مرهفة التغاضي عن خيانة زوجها ابراهيم الذي أحبته بصدق، وتتابع مسيرة حياتها معه مخافة حكم المجتمع القاسي فيما لو قررت الإنفصال، إلا أنه وفي لحظة من لحظات شكّه الكاذب بها يجعلها ودون تفكير تقرر امتلاك حريتها.",يا الله، هذه نفسُ المدينة الحُلم التي دوختني بِعشقها فيما مضى، في زمنِ حُبنا، لمّا كانت تبدو كأميرة الصحراء تزهو على وصيفاتها بثوبها المُترامي الأطراف يفوحُ بعطر زهر النفلِ والخُزامى، تحمل شذاه ريح الشمال عابرةً به لِفؤادي، وبِحُمر رمالها شرقاً وغرباً تُطرّزُ هذا الثوب، حافرةً في ثناياه أعذب قصص الحُب العطشى لمحبوبها المطر، ناظرةً جنوباً، في تحيُّن لِمَقدمِ ",الوسمي", الغائب المُنتظر... كانت الرياض لروحي كما غرناطة لـ (لوركا)، المكان الوحيد الذي تنعمُ فيه روحه بالسلام، وهي ذاتها التي شكوت لها حُرقةَ الشوق إليك عندما تواريك عنيّ الأيام.. هي معشوقتي التي سحرتني بجمالها فيما مضى. الآن تحجبُ هذا السحر عنّي؛ فلم أعُد أرى، بعد ما حدث بيننا، أياً منه،كأنها تقول لي: ",جمالي لا يُرى إلا بالحُب، وللحُب فقط",.",خواء انسكب في داخلي مُذ كشفت غدرك بي، فتح له ثُقباً صغيراً في إصبع قدمي، وبدأ يملؤني من خلاله شيئاً فشيئاً، كل يوم يزداد منسوب الخواء في داخلي؛ حتى وصل إلى أحشائي، صاعداً إلى الأعلى، ها هو الليلة يتسرب إلى شراييني وأوردتي، يُغرقها ويُطفئ ما بقي في القلب من أنّات نبض، حتى غدا فؤادي فارغاً، كما فؤاد أُم موسى، غير أني أنا التي أُُلقي بها في اليمّ، فلِمَ لمْ يفرغ فؤادك أنت؟!",.