وصف الكتاب
حق الرجل في زوجة ثانية؛ وحق المرأة في الرفض أو القبول هو ما تطرحه الكاتبة السعودية أريج الطيب مجالاً للنقاش في روايتها الجديدة ",خِيرة",، ليشكل العمل إضافة متميزة على طريق الإبداع الروائي النسوي في الخليج العربي، ويثبت جدارة المرأة/ الكاتبة في هذا المجال، ويضع القارئ العربي أمام نص روائي جاد ...يتمتع بواقعية اجتماعية نقدية ينهل من تجارب الحياة ويتماهى إلى حد كبير مع البنية التقليدية للمجتمع العربي.وفي الرواية تعالج الكاتبة ",الطيب", موضوعة التعدد من خلال النص الديني ومن آليات تفسيره في المجتمع العربي والإسلامي، فتتوجه إلى المجتمع بالقول: شاهدتم في قضية التعدد هو قوله تعالى: ",فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع...", وهذه هي مشكلتنا: نقتطع من الشرع ما يوافق رغباتنا وتوجهاتنا، حتى إذا استدعى الموقف استقطاع آية فلا بأس بذلك!...", وهكذا وجدت بطلة الرواية ",نوال", الزوجة والأم لثلاثة أبناء نفسها بعد زواج استمر خمسة وعشرين عاماً من ابن عمها ",سعد", مرغمة على القبول بقراره في الزواج من امرأة ثانية وإلا أصبحت مخالفة للشرع لأن النص الديني يسمح له بذلك ",إذا طلبت الطلاق بسبب زواج زوجك إنت تؤثمي وعليك ذنب", هذا ما كان عليه موقف أخيها أحمد في محاولة لثنيها عن الانفصال عن زوجها ",في نظر المجتمع أصبحتُ سيئة، لمجرد أني طلبت الانفصال من سعد لأنه تزوج، فالزواج بأخرى لا يعد سبباً منطقياً لطلب الطلاق... يتزوج الرجل امرأة ويعيش سنين وسنين ثم يتزوج بأخرى يافعة بعد أن أفنى العمر زوجته وأفناه..",.
في الخطاب الروائي تطرح الكاتبة العديد من القضايا المتعلقة بالعلاقة الزوجية منها نجاح المرأة في الدراسة والعمل والحياة الاجتماعية وعدم تقبل البعض من الأزواج لهذا الواقع ",كثيرة هي التصادمات بيننا خصوصاً عندما يتعلق الأمر بنجاحاتي، والتي تشعره بالنقص.. وقد قالها لي مراراً وتكراراً: أكره نجاحك لأنه يذكرني بفشلي!", لم يكن سعد فاشلاً ولكنه كان رجلاً بلا طموح ",كانت أحلامه تتجسد في منزل صغير وزوجة هي ربة منزل وأم لأطفاله تطيعه في صوابه وخطئه وتسير بهما الحياة كما يحلو لها...",، وعلى جانب آخر تضيئ الكاتبة مسألة على غاية من الأهمية؛ هي ",نهاية العمر", وحاجة النساء إلى أزواجهم في هذا العمر الحساس لهن والذي يحتاج مزيداً من القرب من العائلة في حين يبدأ الجميع بالابتعاد تدريجياً وبلا وعي ",فالزوج يبث إحباطاته والأبناء كل يمضي في حياته وتظل هي تقاوم مشاعرها وتقاوم أفكارها...",، ولهذا يمكن النظر إلى الرواية على أنها عن المرأة في جميع أطوار عمرها (الزوجة - الأم - الجدة) من هنا كان اشتغال الكاتبة على هذا النبض الذي يجسد التحول في شخصية وحياة البطلة في مساراتها المختلفة، ومن هنا أيضاً يمكن القول أن عالم النص هو النسيج الذي تنغرس فيه الذات الأنثوية وتتشكل كما هي في الحياة ما يذكرنا بقول الكاتب المسرحي النروجي هنري إبسن ",المرأة ليست لعبة الرجل", ما يعني أن المرأة لا يمكن احتجازها في قيود المكان والمظهر العام لهذا المجتمع أو ذاك. هذا ماتقوله رواية ",خِيرة", في خطاب روائي يطرح وبصوت عالٍ جملة من المسائل (الأفكار السائدة، سلطة الأعراف والتقاليد، سلطة النصوص الشرعية والقانونية، الزواج المتعدد، الطلاق) وهي بمجملها من الموضوعات الملحة والأثيرة في الخطاب الروائي المعاصر في بلداننا العربية.
وأما عن الأسلوب في الرواية فهو يتباين وفق مستويات عدة، وكان أغلبه بصيغة المتكلم والمنولوج الداخلي وتداعي الخواطر والحوار، ويتسم بالسلاسة والوضوح ويُظهر كماً كبيراً من ثقافة التحليل النفسي، الذي يعكس ثقافة الكاتبة، وتجربتها في المجتمع الذي تعيش فيه. على أن التحليل النفسي ينوجد من خلال الشكل في جعل الوحدات السردية/ الحوارية، ومن خلال المضمون الذي تمظهر من خلال هذا الكمّ من تحليل التصرفات وتفسيرها وتأويلها. وهكذا يتكامل الشكل والمضمون، الحكاية والخطاب، في تظهير حالة خاصة وعامة ما تزال سائدة في المجتمع العربي بين من يؤيدها وبين من يرفضها، وبهذا اكتنزت ",خِيرة", قدراً كبيراً من فن الإبداع الروائي النسوي فاستحقت القراءة.