", أغمضتْ عينيها وشردت، تذكّرت حياتَها وطفولتَها فى الإسكندرية وبيت أبيها فى محطة الرمل فى العمارة الضخمة المواجهة للبحر التي كان يسكنها أجانب من كل جنسٍ ولون، تذكّرتْ شقاوتَها ولعبَها أمام باب شقتهم فى الدور الثالث ",ع البسطة", كما كانوا يقولون، ورنَّ في أذنها صوت أمها وهي تدعوها للدخول لتناول الغداء، فالأكل على السُفرة..تذكرتُ صوتَ صرير باب الأسانسير القديم وهو يُفتح معلِنًا قدوم أبيها من عمله حاملًا فى جيبه قطعة الشوكولاتة التي تعشقها من حلواني ",ديليس",، ابتسمتْ وهى تسترجعُ مذاقَ الشوكولاتة الفاخرة التي كانت تذوب عشقًا فيها.. تذكرت أطفالَ العمارة الذين كانت تلهو معهم وبالطبع كان على رأسهم ",ديمو", أو ديمتري ابن طنط ماريكا اليونانية التي كانت تسكن فى الطابق الرابع و كانت تحتضنها بشوق كلما رأتها في الصباح في طريقها إلى المدرسة وتعِدها أن تُرسل لها طبق ",اللوكامادس", أو لقمة القاضي الساخنة صباح يوم الجمعة كالعادة.
طافت الكثير من الذكريات في عقلها وفي كل لقطة أو مقطع كان يظهر ديمو، ذلك الطفل اليوناني الجميل الذي كان يكبرها بعامين و الذي طالما شاركها لعبها ولهوها وكثيرًا ما نزل مهرولًا على السلّم كلما سمع صوت بائع الآيس كريم يطلق صيحته الشهيرة ", كلو كلو",. إيذانًا بوصوله على عجلته أمام العمارة الأنيقة..وما أن يرن جرس العجلة المميز حتى يفطَّ الصبي وينطّ ليحضرَ لها الكلو كلو الذي تحبه ويقدمه لها وعلى وجهه ابتسامة جميلة. ",