وصف الكتاب
تتحدث هذه الرواية، للكاتبة والصحفية الأميركية، ذات الأصول الصينية، عن عالم المدن الصناعية الضخمة التي شيدت في الصين وغالبا على ضفاف الأنهار، والتي كانت ولا زالت مركز استقطاب لهجرة أبناء الأرياف إليها، من أجل الحصول على العمل والمال، بعد التحول النوعي السريع الذي أصاب المجتمع الصيني، والذي أدى إلى ...تدهور مستوى الحياة في الأرياف، فعزل سكانها وأقصاهم عن عجلة الحياة وتطورها، وأفقرهم وزاد من بؤسهم. أكثر من 130 مليون مهاجر من الشابات والشبان غادروا مسقط رأسهم للالتحاق بهذه المجمعات الصناعية التي تفتقر للحد الأدنى من شروط العمل الإنساني وشروط الحياة الإنسانية، بحثا عن فرص عمل، وعن مهارات جديدة، تمكّنهم من الاستمرار والتأقلم مع ظروف وواقع حياة جديدة قاسية وسريعة الحركة لا ترحم من يتخلف عن الركب فيها.
تنقلنا الراوية إلى أجواء هذه ",المافيا الجديدة", التي تنمو وتتفاعل أمام أعين المسؤولين في العالم، عبر ملاحقتها للتفاصيل الحياتية للعاملتين ",مِن", و",شونمينغ", القادمتين من الريف، واللتين دفعهما حب البقاء والخروج من وضعهما البائس، للالتحاق بإحدى هذه المصانع التي تمتد وتتمدد كالأطراف المتعددة للأخطبوط.
بعد ثلاثة سنوات من متابعة ما يحدث في حياة هاتين العاملتين، ومن خلال معايشتها لهما ومن خلال المقابلات والأحاديث التي أجرتها الكاتبة معهما، لمعرفة طبيعة ما يدور في ذهنهما من أفكار وأحلام وما يدفعهما إلى الإصرار على الخروج من هذه المأساة المعيشية، ومن التنقيب الصحفي عما يدور حولهما، خرجت الراوية بنتيجتها بهذا العمل الروائي والوثائقي الشاهد والهام، الذي يفضح أطر الظلم التي تبنى عليها المجتمعات الحديثة، وتفرض التخلي عن إنسانية الإنسان .
تعكس التناقضات التي تعيشها هاتين الفتاتين، وترمز إلى التناقضات التي يعيشها الشعب الصيني بأكمله، الذي يدفع ثمنا باهظا للالتحاق بالسباق المحموم نحو ما يسمى بالعصرنة. فهو يخسر هويته وجذوره وطبيعة حياته وإمكانية تطويرها، ليدخل في مغامرة غير مضمونة النتائج في سباق التسلح التقني والصناعي والمالي المسيطر، وبالتشّبه بهويات أخرى تفرض نفسها على أنحاء العالم.
تحمل هذه الرواية، رؤية إنسانية واضحة وعميقة، في إطار من السرد الواقعي والوثائقي، والذي يحمل بنفسه مدلولاته الرمزية، تقدمها الكاتبة التي نشأت في الولايات المتحدة الأميركية، لكنها عادت إلى محيط جذورها كمراسلة لصحيفة ",وول ستريت", في هونغ كونغ، وفي تيوان وفي الصين حيث أمضت سنوات في بكين متنقلة في أرجائها بحثا عن أصول لهذه الجذور.",فتيات المصانع", هو الكتاب الأول الذي يركز الأنظار بشكل غير مسبوق على الحياة اليومية لطبقة المهاجرين العاملة في مصانع الصين.
يحتشد في الصين 130 مليون عامل مهاجر، مما يشكل الهجرة الأكبر في تاريخ البشرية. لذا فقد قامت ليزلي ت.تشانغ، وهي المراسلة السابقة لمجلة وول ستريت جورنال في بكين، بسرد قصة هؤلاء العاملين من خلال روايتها لحياة فتاتين رافقتهما على مدى سنوات ثلاث متتبعة محاولاتهما للارتقاء بعيداً عن خطوط التجميع في معامل مدينة دونغوان الصناعية الواقعة في دلتا نهر بيرل.
وفي أثناء متابعتها لمسيرتهما، ترسم تشانغ حياة المهاجرين في صورة لم يسبق لأحد رؤيتها من قبل، إنه عالم جميع من فيه تقريباً دون سن الثلاثين، عالم يمكن للمرء فيه أن يفقد الاتصال بأحبائه وأصدقائه إن هو أضاع هاتفه المحمول، ومكان تملك فيه بضعة دروس في اللغة الإنكليزية والحاسوب القدرة على قذف مهاجر إلى طبقة اجتماعية مغايرة تماماً لتلك التي كان فيها. إن تشانغ تحملنا في رحلة داخل مصنع للأحذية الرياضية تبلغ ضخامته درجة أنه يملك مستشفى وصالة سينما وقسم إطفاء خاصة به. ثم تنعطف نحو حانات غناء الكاريوكي الأنيقة واصفة كيف تشكل واجهة لأعمال الدعارة. لتنتقل بعد ذلك إلى فصول تعلم الإنكليزية البديلة حيث تحلق الطالبات رؤوسهن في تفان شبيه بتفاني النساك، حيث يجلسن يوماً بعد يوم أمام الآلات يرقبن الكلمات الإنكليزية وهي تومض أمامهن، ثم تعود بنا إلى القرية الزراعية في رأس السنة الصينية، كاشفة عن عوامل الفقر والبطالة التي تدفع الفتيات اليافعات إلى مغادرة منازل ذويهم من الأصل. ومن خلال هذه اللوحة الملفتة، تنسج تشانغ كذلك قصة هجرة أسرتها، داخل الصين ومنها إلى الغرب مغنية بذلك تحقيقها بمراجع شخصية إضافة إلى التأريخية.
إنه كتاب ذو أهمية عالمية يمنح نظرة متبصرة جديدة على واقع الصين. إن ",فتيات المصانع", يبرهن على أن حركة الهجرة من الريف إلى المدن تعيد صياغة الحياة الشخصية للمواطنين، كما تقوم بعملية تحويل جذري للمجتمع الصيني، تماماً كما فعلت الهجرة إلى السواحل الأمريكية قبل قرن من الزمن.