وصف الكتاب
",كُنا اثنتي عشرة فتاة قد جمعهن القدر، وظلّلتهن الظروف تحت سقف هذا البيت. كعالمٍ معزولٍ، وخاصٍ بنا. لكلّ فتاة منّا باستثناء أنا وهدى، حياة لا أعرفها، قذفتها في بئره السحيقة. عالمٌ، لم أشهد فيه النور قطّ. كدتُ أنساه أو نسيته، لا أعلم، ما أعلمه هو أنه يتشح بحلكةِ الليل. يبدأُ ...في الظلام، يحدثُ في الظلام، ينتهي في الظلام، ليبدأ مرة أخرى في الظلام كعجلةٍ دائريةٍ غير مخصصةٍ للوقوف. قانونها لا يعرف معنىً للوقوف، ولا يشملهْ. نحنُ مركزها. أنا كنت الفتاة العذراء الثانية عشرة التي انضمت إليهن. كنتُ فتاة عذراء! أما الآن فلا، لم أعدّ. ربما امرأة انهار جدار قلعتها المحصّن. أو زوجة بلا زوج. أو ربما أماً بلا أيّ طفلٍ...",.بهذا المقتبس المنسوب إلى ",مريم", الشخصية الرئيسية في الرواية يقول فهد السيابي حكاية مريمات كثر جمعتهن مسائر ومصائر مختلفة وأودت بهن إلى مهاوي الرذيلة. وسواء أكان ذلك المصير بإرادتهن أو رغماً عنهن، فإنهن بغالبيتهن ضحايا الظروف والأزمات، ليبقى الجسد هو المفتاح إلى الحلّ، وبالتالي فإن معيار التمييز بين الجلاد (المجتمع) والضحية (المرأة)، أو بين الظالم والمظلوم، ليس معياراً جنسياً فقط، بل معيار عقلية ذكورية لا ترى في المرأة سوى جسداً للاستغلال...
في الخطاب الروائي يعهد فهد السيابي إلى مريم، الشخصية الرئيسية في الرواية، رواية الأحداث، فتحكي حكايتها هي، وحكايات الفتيات الأخريات ولا سيما هدى التي شاركتها همومها، وهي تفعل ذلك من موقع المشاركة في الأحداث والانخراط فيها، أو من موقع الشهادة عليها والعلم بها. وهنا يمارس الروائي تقنية الراوي العليم متضمَّنة الراوي المشارك. ونتفق مع الروائي في أن المروية حكاياتهن جميعهن ضحايا، بشكل أو بآخر، مع اختلاف في درجة الظلم الواقع على هذه الضحية أو تلك، وفي الجهة الظالمة.
",أن تُدفن حيًّا", رواية فائقة للعادة والتقليد، قوية وإيروسية، جريئة ومثيرة، هي عمل أدبي كلاسيكي بسيط ومعقد في آن، مع قراءة كل صفحة نتهيأ لألمٍ جديد...