وصف الكتاب
",زوجة القاضي", عمل روائي جديد للأديب اللبناني ",نزار دندش", يقدم فيه قراءة جديدة للواقع الاجتماعي والسياسي المعاصر عبر توسيع مفهوم الآخر المختلف عرقياً ودينياً وثقافياً، من خلال المشهدين اللبناني والأفريقي.
تدور أحداث الرواية حول فكرة الاغتراب، ولكننا في هذا النص نقرأ نوعين من الاغتراب، اغتراب داخل حدود الوطن، واغتراب خارج ...حدود الوطن؛ هي قصة كل لبناني يعيش في دوامة السياسات المتقلبة، والاختلاف الإيديولوجي والعقائدي حول مفهوم الوطن إلى البحث عن بر الأمان.يتخذ الروائي من شخصية ",صالح", المحورية في الرواية نموذجاً للنضال والانتماء الوطني، ونبذ لكل مفاهيم الطائفية والعنصرية، فبحكم انتماء البطل إلى إحدى التيارات السياسية في بلاده، يتعرض للملاحقة عندما تدخل قوات عربية لحفظ الأمن فيه في أواسط السبعينيات من القرن العشرين، وبما أنه من المعارضين الذين وردت أسماؤهم في لائحة مكتوبة بخط اليد، يضطر إلى السفر إلى أفريقيا تاركاً أحلامه وآماله وكفاح سنوات في التنظيم الذي أخلص له وما يزال.
عند وصول ",صالح", إلى أفريقيا، تأخذ الرواية منحىً آخر، فتسلط الضوء على الواقع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي الذي يعيشه اللبناني في بلاد الاغتراب، وما يعانيه، من تقلب الأحوال السياسية في أفريقيا، وتبدل الأنظمة، والثورات التي غيرت الكثير من حياة ",صالح", وتأثره بها نتيجة انخراطه في الأعمال التجارية المرتبطة بروتين وفساد إداري موجود في غالبية البلدان. عبّر الروائي عن ذلك بلغة سردية مباشرة جاءت مطعمة بحوارات رشيقة، شكلت جزءاً لا يتجزأ من النص لتنخرط مع السرد في علاقة تكاملية، غاص فيها الروائي في شخصية اللبناني المغترب مستنطقاً القيم الفطرية المتأصلة في شخصيته، يتجسد ذلك في المساعدة التي يقدمها أبناء الجالية إلى كل غريب قادم مهما اختلفوا معه في عقائده وما يؤمن به، على عكس الحال التي يكونون عليها في وطنهم الأم حيث تضارب المصالح والمنافع واختلاف النظرة إلى مفهوم الوطن –الدولة– الهوية يضغط بشدة في كل مناحي الحياة.
وهنا يسلط الروائي الضوء على الفوضى التي تعيشها بلاده منذ أمد بعيد، من فساد إداري وسياسي، ينتج عنه حالة اجتماعية مزرية عاشتها البلاد نتيجة الحروب والفقر والدمار الذي حل بها على مدى تاريخها الطويل.
وبحكم تقلب الأحوال السياسية بين الأمس واليوم في لبنان، ينقل الروائي صوراً عن أولئك النفعيين الذين يتملقون السلطة لكسب دريهمات أو لتمرير معاملات، حيث يفاجأ ",صالح", بعد عودته من بلاد الاغتراب، بأن رفاق الأمس، أصبحوا في صفوف من كانوا يعتبرونهم أخصاماً في الماضي. ",كان يشعر مذ غادر أرض المطار قبل خمسة وعشرين عاماً، بأن نضالاته السابقة مرسومة في ضمير كل من عرفه، وأن ثباته على خطه، رغم كل المعاناة، لا بد أن يصبح مثالاً يحتذى، لكنه فوجئ بأن حبر الرسم قد محته السنون، وأن مثاله لم يحتذِ به أحد سواه، فكان ذلك أشد وقعاً عليه من محنة الاغتراب وعذابات الشوق إلى الوطن",.
لقد وضع الروائي يده على الجرح جرح أولئك الوطنيين والمفكرين الذين عاشوا مخلصين لمبادئهم دون أي مقابل، فدفعوا الثمن من حياتهم، فمنهم من اغترب عن وطنه، ومنهم من مات واستشهد، ومنهم من وضع في غياهب السجون، في مقابل فئة أخرى أصبح شعارها الدولار وعقيدتها السمسرة ",لهم في كل وسيلة إعلام سهم وحصة، ولهم في كل منطقة بيت ومصلحة، ولهم في كل دولة سيد وممول...",.
",زوجة القاضي", هي أكثر من رواية، هي ملحمة نضال واصل مسيره في الدرب التي لا توصله إلى أي مكان، في خطوات لا تثق بتلك التي تلي، ولا تقتفي أثر الخطوات التي سبقت، هي حكاية اغتراب، تمزق للروح العربية، في عصر مليء بالصراعات والحروب والفقر، هي محطة تمثل صوراً لحياة الإنسان العربي، وبالأخص، اللبناني الباحث منذ أربعون عاماً عن هويته وعن حريته وعن أمنه، ولكن، عبثاً أن يجده!