وصف الكتاب
تحمل النصوص الدينية في دلالاتها النهائية سمة النبوءة، فضلاً عن تفسيرها لأصل العالم والوجود الإنساني وعلاقتهما بالمطلق، وهذا ما جعل منها مصدراً مهماً لكل أنواع المعرفة ومنها الأدب.
وفي هذا العمل أجادت الأديبة الإماراتية ",سارة الجروان الكعبي", في توظيف النص الديني في العمل الروائي. فأخذت من القصص القرآني مادة أحالتها ...بقدرة إبداعية متميزة إلى نص روائي، أضفت إليه مسحة روحانية، وربما صوفية لتجعل منه نصاً يقرأ.اتخذت الروائية من شخصية ",مولاي شكر", أنموذجاً لعالم الطهر والصفاء الروحي في مقابل عالم الواقع المتمثل بالرغبة والصراع بينهما. ما جعل هذا العمل يقوم على معادلة شاقة تمثل قاسماً مشتركاً بين عاملي الطهر والدنس وبين حب الحياة وحب الله، وكيف للحب الدنيوي أن يفضي في النهاية إلى حب أكبر وأعظم هو حب الذات الإلهية والتماهي معها إلى أقصى الحدود. وهذا ما تجلى في شخصية ",مولاي شكر", ومقاومته للرغبات الدنيوية.
ما يميّز هذا العمل هو أنه لا يتوقف عند مستوى واحد من الفهم، بل إنه يرسل إشارات إلى وجوب تجلّي الله في نفوسنا قبل أي فعل نمارسه، لأنه وحده القادر على خلاصنا ",الله الله ربي.. هذا مقام العائذ بك من النار.. فلا حب إلا حبك.. ولا قرب إلا قربك.. ولا معبود ولا معشوق سواك ربي.. ألوذ بحق (...) فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده...", ",وفي مقبرة البقيع انتهى به الحال يخدم زوارها يحمل المياه الباردة في قربة على ظهره لمن أراد الوضوء ولتهيئة اللحود وتسوية الأرض لتتلقف ساكنيها بسلام... في إحدى الليالي استيقظ على أصوات جلبة صادرة بالقرب منه فتح عينيه جاهد ليرى مصدر الجلبة شاهد برؤية ضبابية رجالاً يرتدون البياض انشغل بعضهم بنبش بعض الأحداث ذاتها بعد إفراغها من قاطنيها ورفعهم لجهة يتطايرون بها بعيداً محلقين كما الطيور، تعجّب عمر ونهض ليحول دون هذا العبث بالمكان (...) اقترب منه أحدهم له جناحان من نور استطالا إلى ما لانهاية قال له:
- لا شأن لك يا عمر يا ولي الله.. امضِ في طريقك إننا خلق من خلق الله موكلون بأمور الموتى إن الرب عزَّ جلاله قد كتب في أزله لكل روح مقراً في هذه الأرض لا تدفن فيه إلا بمشيئته ولكل روح جسد وهذه الأجساد الفانية كما ترى يأتي بها أهلها ليوسدوها في هذا المكان أو سواه ولجهلهم بسرائر الأمور يحسبون أنها تبقى حيث واروها التراب؟
",عذراء ووليّ وساحر", عمل أدبي متقن ينضح بمخزون ثقافي وديني ثرّ، ويعكس روح روائية شفافة، نهلت من ثقافتها الدينية مادة رائعة استطاعت ببراءة تقترب من التلقائية، أن تحيي الله في قلوبنا جميعاً...
ويجدر الإشارة الى أن هذا الكتاب قد حاز على جائزة العويس للإبداع الأدبي لعام 2012.