وصف الكتاب
",منذ ليلة الحرب الطويلة، كلما جلست لأكتب، رواية فقدت صور الأحلام، اكتشف أني أكتب عن نفسي وهويتي، فأنا أشعر بأني ضائع بلا هوية أو وطن والكتاب هي أسلوب حياتي، أتخيل أني أحلم بالكثير من الأشياء لكن لا أعرف ما هي أحلامي، أشعر أني مذنب في الكثير من القضايا إنما لم أقترف أي ذنب...تلك هي المعضلة! كأن لا شيء أشكو منه في الحياة سوى علاقتي مع ذاتي، أعجز عن الهروب من الواقع، أشعر بتعب شديد، أجبر نفسي على الإسترخاء، أفكر في نزع كتفي من مكانه، احتسي بعض القهوة والشاي، أهرب من سماع فيروز وقراءة جبران وتمجيد الأرز والتبغ وأغرق في الماضي السحيق، في كتاب أحبه، في لحظة أترك أفكاري تجول في الكتب المكدسة فوق، فوق المكتبة... كل ما أعلمه أن الكتب أنقذتني من أحزاني وأحياناً هي سبب أحزاني، وسرقت أجزاء من ملامح وجهي.. أحتاج إلى أن أكتب لأتخلص من غبار الكتب والزمن الذي تراكم على ذاكرتي، ربما لأنجو من براثن الماضي الكالح وأرى وجهي في الحلم خارج المرايا، ربما لأن الكتابة هي مجموع نكبات الإنسان التي هي الحرب وربما الحب... في الشاليه، كتبت الرواية بمخيلتي، بلمحة عابرة يمر شريط الذكريات القاسية، ذكريات ولدتها الحروب المتكررة والشقاء العاري الذي ورثته عن أبي وعرش أيل وكارل ماركس والأرض القاسية التي طالما تفنينا بحبها، هل الإعتراف وسيلة للنجاة من طرق الحنين؟...
إن رواية هذه القصة ستكون بلساني مع أني مجرد شاهد فيها، مجرد صبي وحيد غادرت عرش أيل في شرق بعلبك... دائماً لدى فضول يشبه الحماقة أن أعرف لماذا أتيت إلى بيروت، لماذا أنا هنا؟ ولكن حتى الآن لا أعرف... ما أتذكره وما أريد أن أكتبه هو ما أعجز عن نسيانه... اعتقد أن الرغبة الجامحة مسألة غير مؤكدة من أسباب هروبي من عرش أيل... نمت بعد منتصف الليل، واستيقظت عند الخامسة فجراً... لم يكن شريط الضوء قد وصل مع ثقوب باب غرفتي، عندما استيقظت في ذلك الصباح على صوت الديك الملائكي، لم أقدر على محو المنام الذي رأيته في الليل من مخيلتي والتحرر منه، وقعت في قبضته كما لو أنه يحدث فعلاً... رأيت أن والدي خاطر محمد الدلباني من مواليد بلدة عرش أيل الحي الشمالي.. توفي تحت شجرة تين يابسة في منطقة سقي الحدث في ضواحي بيروت دون أن يعلم أحد بموته إلا بعد وقت متأخر، كان عارياً وجسده أزرق وعيناه مفتوحتين، ويظهر فيهما سرب غربان سود تستقر على زيتونة وارفة وغيوم بيضاء طويلة تنسل في فضاء أزرق مع نسيم عابر.
بدا أبي كأنه ",خرمش", التراب بأظافره قبل رحيله، كأنه قال كلمات قليلة قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة، كأنه قال وصيته للفراغ، لا أحد يربح مع الموت، ومن العبث أن تقف في مواجهته، هكذا تقول الذاكرة.",
مهمة الروائي أن يقول ما يراه في ",الماوراء",... لم يقدر الشاهد على تلك الأحداث التي نسجت هذه الرواية على الكذب لأن الواقع الذي عاشه والذي أحاط به كان يفوق الكذب والخيال معاً... ربما يكون ما يرويه مجرد أحلام أو منامات أو مجرد كلمات في متاهات المرايا، أو مجرد حماقات عن العالم السفلي في مدينة اسمها بيروت... يكتبها على الصفحة البيضاء، وبين يديه كتاب مفتوح على مصراعيه وكأن الكتب وجدت لتكون بوابة الذاكرة او هي متحف الذاكرة... وحين تصير الحكاية مكتوبة تقبض على الزمن والوقائع لا أحد يستطيع الهروب منها...