وصف الكتاب
لا يخرج الإصدار الروائي الموسوم بـ «رماد» للكاتبة الدكتورة مريم جمال الحارثي عن سمة الانفصال الكياني بين الهويات والعقائد والانتماءات الكبرى (العرقية/الدينية/الطائفية) وإعمال النظر في محيط عربي متقلب من الشخصيات والنصوص والمؤسسات التاريخية والاجتماعية والثقافية. أضحت معه الهوية العربية على مسافة ما غير بعيدة من المجرى العام للتحولات والتقاطعات الحياتية ...اليومية التي تختزل وجودها عند أول لحظة اختبار. ولعل اختيار الكاتبة عنوان «رماد» لعملها خير دليل إلى ما آلت إليه أوضاع الأمة التي تحولت نيرانها المشتعلة إلى رماد تذروه الرياح ليس أكثر.و«رماد» نص أدبي معاصر يقدم وعياً للحظة التاريخية، ويأتي في إطار اجتماعي تطرح عبره الروائية مريم جمال الحارثي موضوع (الوسطية) في الرأي والمعتقد والمفاهيم والأفكار التي ترتبط بالمجتمع في لحظة زمنية ممتدة أو معينة، وهي تفعل ذلك في إطار تجربة معيشة لعائلة عربية يشكل أفرادها أنموذجاً للاختلاف الجد ",عبد الجليل", الذي كان يردد دائماً من ",ويل للعرب من شرٍّ قد اقترب", وابنته ",هيفاء", التي تنادي بالحوار بين الطرفين، وبالتقريب بين وجهات النظر والتي لطالما اعترضت على المورثات الاجتماعية وناقشت ابنتها ",تولين", بصدر رحب وحاورتها، وأجابتها عن أسئلة كثيرة أرقتها، والأخوين ",باسل", الذي يمثل فئة المتزمتين دينياً وهو الشيئ الذي أقلق والده ",صالح", بعدما تأكد أن باسلاً له علاقة بأصحاب الفكر المتطرف، و",فراس", شقيقه، الذي يمثل فئة أصحاب الفكر الوسطي أو المعتدل. أما البطولة الأهم في الرواية فهي لـ ",تولين", التي تربَّت على احترام الاختلاف والتعايش معه، فحاولت رأب الصدع الذي يغذيه البعض بين المذاهب المختلفة في علاقتها بصديقاتها في الجامعة والقائمة على احترام الآخر أياً كان مذهبه، وعبر وسائل التواصل الاجتماعي عملت على إنشاء مدونة مثيرة للجدل وكتبت فيها متخذة من ",الرمادية", اسماً لها حتى بات لها انتشاراً واسعاً في محيط طلبة الثانوية والجامعات.
في الخطاب الروائي تستخدم الروائية تقنيات روائية عدّة، لتقول حكايتها فهي تزاوج بين السرد والوصف، السرد يرصد حركة الشخصيات، والوصف يصور الأجواء والمشاعر والأهواء، ثم تزاوج بين المرئي والمكتوب فَتُطعّم العمل بنصوص مكتوبة بواسطة ",الرمادية", مليئة بأفكار نقدية تطال ما يجري وما يتوقع حدوثه، كما أنها تقوم باستدراج الشعري إلى النص الروائي، ليعمل كمكثف حكائي لما تمّ سرده في الوحدات السردية الأخرى وكإدانة للإرهاب.. وبهذا المعنى تمكنت الروائية الحارثي من تحقيق مقاصدها الغائية على مستوى الحكاية، ومن إثبات براعتها الاشتغالية على مستوى الحكي والنقد البناء.