وصف الكتاب
",اللعنة", عمل روائي جديد للكاتبة والناقدة نازك يارد سابا تثير فيه قضية تنتمي إلى حقل المحرّمات في الثقافة العربية وهو زنى المحارم في عالم مرجعي يتكامل فيه القمع الذكوري مع المحرم الاجتماعي. تعالج الروائية هذه الموضوعة، من خلال رويها حكاية ",سلمى", بطلة الرواية، وما تنخرط فيه من أحداث ومواقف من ...موقع ردّ الفعل أو الفعل، وتصوير البيئة تصويراً صريحاً، سلباً وايجاباً، وتوظيف كامل للقدرات الفنية بخلق أسلوب يتسم بالبساطة، ويخلو من التعقيد والابتذال في البناء الروائي الفني.ولأن الخوض في المحرّم مغامرة غير مأمونة العواقب، تبحث الرواية في الأسباب والنتائج والحلول، بخطاب روائي يواكب جدّة الحكاية ومشروعيتها، وبشيء من الحرية في القول، فالحرية هي الشرط الموضوعي لأي إبداع.
تتحدث الرواية عن ",سلمى", الفتاة المراهقة التي تفقد والدتها بموت مفاجئ ولم تبلغ بعد سن الرابعة عشرة من عمرها، بدأت الفتاة تشعر بالذنب لأنها لم تستطع إنقاذ أمها من شبح الموت، بذنب أنها تعيش فيما توفيت أمها.",كانت الـماما تفيد، وأنا؟ ما فائدتي؟", وبدأت تتراجع في دروسها؛ وبسبب عجز والدها عن دفع قسط المدرسة فُصلت واضطرت إلى البقاء في البيت. وذات يوم انتهز أحد أقارب أمها وجودها وحدها في البيت واعتدى عليها. ثم استمرّ بمعاشرتها في غياب والدها، وهو يغريها بهدايا صغيرة رخيصة، إلى أن اكتشفه أبوها صدفة فطرده. ولم ينفع تهديده بالقانون الذي لا يعاقب المغتصب إلا إذا استطاعت البنت أن تثبت بواسطة شهود أنها قاومته بالقوة. وهو ما استحال إثباته.
بعد افتضاح الأمر قرر والد الفتاة تزويجها من صديق له في العمل، أرمل ولديه ثلاثة أبناء، لم تتقبل الفتاة الفكرة فقررت الهرب من البيت واللجوء إلى معلمتها السيدة عفاف، وطلبت منها كتمان أمر وجودها وإيجاد عمل لها عند أحد معارفها، وذلك بعد تغيير اسمها من ",سلمى", إلى ",حنة", وفي منزل السيد عزيز وزوجته ندى بدأت الفتاة العمل كمربية لأولادهما. ولسوء الحظ كان لهما ابن مراهق، وما كان من ذلك المراهق الشاب إلا الاعتداء عليها بدوره. وحبلت منه، واستحال إجهاضها، فتكفل والدا الشاب بمصاريف ولادتها، ووضعا الطفل في ميتم، أما والدها فتبرّأ منها ونكرها وتوفي بعد ذلك بفترة قصيرة، وأحست الفتاة بلعنته ترافقها أينما ذهبت.
تتوالى الأحداث في الرواية وتتفانى الأم في رعاية ابنها ",رأفت", حتى أصبح طبيباً متفوقاً في مهنته، وبعد أن وجد شريكة حياته ",رلى", يقرر الزواج منها وبهذه المناسبة يقيم الشاب وزوجته حفل كوكتيل يدعوان إليه الأصدقاء المقربين، وأثناء الحفل تفاجأ سلمى برؤية ابنها يتقدم نحوها ومعه رجل خمسيني ",ماما، أريد أن أعرفك بالدكتور سامر مهنا. كان مديري حين كنت طالباً مقيماً ، كان يشجعني كثيراً، وأصبح صديقي",. وبما أن سلمى عرفت سامر والد ابنها من دون أن يعرفها قررت الانسحاب وإبقاء ما كان مستوراً على حاله.
في الخطاب الروائي لا شك أن نازك سابا يارد قد حقّقت متطلبات الرواية الفنية، إذ عكست المقاييس الحديثة للرواية في البناء والعقدة وخلق الشخصيات الروائية. وقدّمت روايتها من خلال أسلوب الراوي العليم بكل شيء والذي يروي بصيغة الغائب في التمهيد والنهاية، ويتدخل الروي للتعبير عن تداخل الأحداث. على أن هذا الراوي يخرج من صيغة الغائب ليطعّمها بصيغة المتكلم. ويلاحظ أن الروائية قد عمدت إلى مسرحة الحدث وهو ما يبدو واضحاً في استهلال الرواية، دون أن يظهر الراوي العليم للعيان، كما استخدمت منهجاً أقرب إلى الحديث النفسي المباشر. أما اللغة في الرواية فهي حارّة متدفّقة، وليس هناك ما يميّز بين لغة الشخصيات ولغة الروائية، وإن تنوّعت طرق الأداء. وخاصة في تصوير خلجات الأنثى ومشاعرها والتغلغل إلى مكنوناتها، في قدرة فائقة على تحليل المشاعر؛ ومهنية واضحة في فن السرد الروائي.