وصف الكتاب
كنت خائفاً من بغداد، لكنّهم كانوا أكثر خوفاً منّي.
هذه المدينة ليست دمشق أو فاس أو صنعاء، هذه بغداد. ينبغي أن تتمتَّع فيها بالجرأة، وأن تتوقَّف عن الخوف,. عليك تقديم الأمثلة في الجسارة. تعرف معنى ذلك؟ ذلك يعني أن تحبّ أحياءها وعمارتها وبيوتها وناسها، الأحياء والأموات,. أن تحبّ كل كلّ ذلك لا أن تخاف منه,. كما عليك أن تجهِّز كذبة لكلّ قول أو حكاية. تابعت الطّريق مشياً دون كلل وسط سويقات متعدِّدة الأسماء,. ولم أتوقّف إلّا حين انتبهت إلى وجود ورق وأقلام في مدخل أحد الدّكاكين. ها أنا أخيراً في سويقة الورق والورّاقين. اقتعدت كرسيّاً كان في باب الدّكان دون استئذان. لكن صاحبه رحّب بي وزاد أن خرج من عمق المكان إلى الباب حاملاً معه كرسيّاً آخَر وجلس قربي,. قال إنّه عرف أنّني غريب من ملبسي ولهفتي وشوقي البادي في عينيّ. قلت له إنّني مغربيّ قادم من دمشق رفقة عراقيّ اسمه سنان,. عرفه للتّوّ، وقال إنّه مشتاق إلى رؤيته، فالزّمن فرّق بينهما، والمكان تباعد منذ هجر سنان بغداد واستقرّ في بدمشق. قلت إنّ سنان بين ظهرانينا اليوم، لكنّه منذ عودته اختفى.