وصف الكتاب
",قبل أن يضع أهل مدينة فازاز تاجَ الجنون على رأسي، وينصبونني مَلِكَ ملوك الحمقى في شوارعهم ومقاهيهم وأحيائهم، كنتُ محبوب أبنائهم والثقة والرحمة والأمان لهم. كنت أتخفى طيلة صباحات الشتاء في جلابيبي وقبعتي الرمادية لأعفيَ نفسي من ماراثون رد السلام الذي يمتد من منزلي إلى مقر عملي، فالجميع بهذه المدينة يعرفني ويريد أن يلقيَ عليَّ التحية. وفي مقهى الأندلس، كنت أجد صعوبة لأنعم بلحظة استقرار وتأمل، أو أن أظفر بنقاش ممتع مع أقرب الأصدقاء، لأن معظم الزبناء يتقربون مني ويطمعون في مجالستي. نلتُ حُظوةً قصوى، ورُزقتُ محبة جمة من لدن أُناس بسطاء طيبين وآخرين ثعالب ماكرين. لا أذكر أنني تضررت من أحد، أو انزعج مني أحد غير أساتذة الجيولوجيا. بل كنت صاحب المشورة، وذا الحكم والرأي عند الضرورة. لطالما راودتني تساؤلات ناعمة تشعرني ببعض الفخر الصامت بالنفس، فأُخاطبُني مستفسرا: - من أين لي بهذا الحب الكبير؟ هل أنا وليٌّ صالح؟ أم إني ذو أسرار سحرية؟",