وصف الكتاب
وهو كتاب عن سيرة الآخر الذي نحملُه في داخلنا، يُشاكسنا ويُلاحقنا، هو هويتنا السيكولوجية، نصفنا الآخر الذي نخشاه ونتشاطر معه ذاتاً واحدة، في بناءين ذهنيين مختلفين.
ثم أن تكون الوساوس على هيئةِ حرب، وأن تكون صحافياً على خطوط النار، يعني أن ترى أشياء لا يراها آخرون، أن ترافق الموت إلى مثواه الأخير، وتختبر مدينةً فقدت عقلها وامتلأت رئتاها بالفراغ، أن ترى بلداً مفتوناً بالخرائط والملاجئ ومُعادلات الانخفاض، بالحقائب المنذورة للتجاوز والرحيل. ",وسواس", ثناء عطوي، ينطلق من تجربةٍ خاصّة جدّاً، ومؤلِمة في آن، لكنّها وإنْ بدت كذلك، فإنّها تلتقطُ ما نعجز دائماً عن الإمساك به، وما ينفلتُ منّا في منعطفات الحياة الخاطفة، فكلّ ما يتغيّر ببطء نستطيع شرحه وتفسيره، لكن ما يتغيّر بسرعة نعجزُ عن إيجاد إيضاحات له.
من الكتاب:
احتفظتُ بعكّاز أمّي لزمن، فلكلّ واحدٍ منّا عكّاز يدور حوله باقي العمر. وها هو وسواسي المسكين يجلس مستنداً إلى عكّازه، ضئيل وبصره ضعيف، يقبض على مسبحته الطويلة التي تشبه خطّاً منحدراً نحو الأسفل، تماماً مثل خطّ سيرنا نحن البشر، مدقّقاً النظر في الأشياء حوله، باحثاً عن الضوء، وعني بين الأدراج. تتقادم الوساوس مثل الكائنات الأخرى، تُصاب بالشيخوخة، وتبدو على ملامحها التجاعيد، خطوطٌ رقيقة كالدخان، كلّما كانت أعمق، كان الوسواس حكيماً متأمّلاً العالم.