وصف الكتاب
في صحيفة ",البرافدا", السوفياتية كان خبر صغير ينتحي جانباً عنوانه ",الجريمة والعقاب",. لكن لم يكن بطله ",راسكولينكوف",، وإنما عدو الشعب المدعو ",أنطوان بيجوفيتش", والذي كان قد فصلته القوات المسلحة السوفياتية قبل أعوام، وهو الآن يواجه حكماً بالأشغال الشاقة!!
عبر هذا التماهي بين الراوي الوهمي بالمؤلف، يكتب أنطوان بيجوفيتش كتابه «أنطوان رأس ...النحس» ويجعل من اسمه مفتاحاً لروايته، ولكن من دون أن يدّعي المماهاة بينه وبين بطله، أو تجسير الهوة بين لاشعور كل منهما.. فالرواية في النهاية عمل فني، والفن في الإنسان طاقة حرية يسخرها الكاتب في خدمة النص. هكذا نقرأ رواية صاحب الرأس النحس، أو أنطوان الغراب، أو بومة القرية المنكوبة. أوصاف كثيرة التصقت به خلال مسيرته الحياتية حتى صعُب عليه فهمها، نَعَتهُ بها أبناء قريته السوفياتية التي ولد فيها ",شوكة إبليس", وكان جلّ ما يعرفه عن نفسه أنه عاش في عصر الحرب بين الألمان والسوفيات. ولد من أم شيوعيّة حفيدة أقنان، وأب برجوازي مسيحي ورع، وكان هو وسطهما يبحث عن مكان في هذا العالم، ظن أن بالتحاقه بالجيش يكوّن معنىً لوجوده، أو أن في دخول السجن درس يتعلمه من الحياة، أو أن في الإيمان الخلاص، أو أن في الأحلام الانعتاق، ولكنه لم يجد كل هذا. ولكي لا يبقى وحيداً غير مكتمل الذات.. راح يكتب قصةً يروي فيها حياته لذاته، أو يكون فيها هو ذاته يتحدث فيها عن: ذكرياته، مخاوفه، هواجسه، تساؤلاته؟ وعندما لم يجد الأجوبة. أيقن أهمية الاعتراف، نعم الاعتراف يحرر، والصراخ يحرر، والكتابة تحرر..
قدم الكاتب لروايته بمقدمة يقول فيها: ",كتب نيتشه في سيرته بغرور وتزلف: ",كيف لا أكون ممتناً لحياتي بكليّتها إذن؟ لهذا أروي حياتي لنفسي",.
",إنني أيضاً أروي حياتي لنفسي، لكنني على عكس نيتشه لست ممتناً لها بالمرة، أرويها لأنني عالق معها ومعلق. نهوي سوياً، أنا وحياتي، ونسقط.
بين بين.. في تلك المنطقة التي لا تنتمي لأي شيء، لا تنتمي إلا لنفسها، والشعور بالخوف.
في الحلم رأيت الأرض وقد فقدت جاذبيتها، لكننا لم نسقط على السماء، تُركنا هكذا معلقين بينهما؛ بين السماء والأرض، نصنع تلك الحركات البهلوانية من غير هدف وبلا معنًى، نركل الهواء كالغرقى، نتشبث بكل ما يصادفنا.. لأجل النجاة، النجاة البعيدة.
هكذا أبدو في داخلي معلقاً في فضائي الخاص، لا أملك حكمة أرضية كنيتشه تلصقني بالأرض، ولا وحياً سمائياً كالقديسين يرتقي بي إلى السماء.
صور تدور في الفضاء، في حياتي، بل هي حياتي.. صور لا أعرف هل أصبح مدعياً أو مبالغاً إن قلت إن إعادة (تدوير تلك الصور) أمام عينيّ لن يتمخض عنها سوى الآلام المبهجة.. الآلام السخيفة حد الهذيان، حد الجنون، حد الموت",.