وصف الكتاب
كتابٌ سريعُ الإيقاعِ. مؤلمٌ حدَّ النشوةِ، مثل مِلحٍ يوضعُ فوق جُرحٍ حيٍّ. ثمِلٌ. مترنِّحٌ. كأنَّ مياه البحار والمحيطات تحوَّلت بين صفحاتهِ إلى شرابٍ تجرَّعتهُ الأرضُ، فلم تعد اليابسةُ يابسةً، ولا الهواءُ هواء، في حين كانَ السؤالُ منذُ البداية: إلى أيْنَ أيُّها الدَّرَّاجُ السّكْرانُ الخارجُ لتوِّهِ من حَانَةِ البَلْدَة؟
ومنذ البداية تتعلَّق قصصُ الكتابِ بضمير الـ ",أنا",، ",أنا", مفكَّكة، مهلوِسة، غامِضة، وانتحارية، لكنَّها مُرتبطة، مثل باقي الشخوص، بالواقع الهشِّ، بهوامِشه المُظلِمة، وظلالهِ الكثيفةِ، وبحفنةِ الضوءِ القليلِ التي تقودُنا إلى طرقٍ أفعُوانيَّة، في أعماقِنا كما في الخارجِ حيث تتلقَّفُنا المنحدراتُ والخيباتُ والكوابيسُ النهاريَّة، في جغرافيا تتسلَّلُ إلينا عبر تفاصيل وروائح وألوانٍ مُبهجة.إنَّ ما كتبهُ إسماعيل غزالي يشبهُ خلطةً ساحرةً، شعريَّة وسرديَّة وسنيمائيَّة، ورِثَها عن بحَّارٍ حكيمٍ، أو نديمٍ قديمٍ يُتقنُ التعاملَ مع المياهِ كلِّها وإن كانت بلونِ الغَرَق، من النَّهر إلى البحر المتوسِّط، مروراً بالمسبحِ وبركةِ الماء، والمُحيط الأطلسي، وجرعة البيرة وأمواجِها المُتلاطمة في كأسِ العالم الكبير. كلُّ ما نقرأهُ يجرُّنا إلى ثمالةٍ غريبةٍ، نبقى معها يقظينَ، نتحسَّسُ الأشياءَ والحيوات والأفكار والوجوه، نتألَّمُ ونضحكُ ونشتمُ ونرقصُ ولا ندري إن كانت القصةُ القصيرةُ ستنتهي عند هذا الحدِّ أم ستوغلُ في جرِّنا إلى المزيد من الجنون والمتعة.
يكتبُ إسماعيل غزالي بأصالةٍ، وسُخريةٍ حادَّة، وقلقٍ يثيرُ ما نسيناهُ من عوالم المُدن البحريَّة، في مشاهدَ ماثلةٍ أمامنا، كأنها كادرات سينمائيَّة لمُخرجٍ محترف، بوهيميّ، تجريبيّ ولا يهمُّه مصيرُ أبطالهِ، طالما أنَّه يحتكمُ إلى مصير الإنسان في دُوَارٍ لا ينتهي... هنا يطولُ الجسر مع كلِّ خطوةٍ نقطعها إلى الضفة الأخرى، هنا قد يقتُلُنا اللَّعب مع الدُّمى، وقد نقعُ في حبِّ أشباح لا يراها غيرنا، وهنا أيضاً يمكنُنا أنْ نسألَ درَّاجةً هوائيَّة لتدُلَّنا على وِجهةٍ لم يسبقْ لنا أن سلكْناها مِن ذي قبل...