وصف الكتاب
",كان أول شخص التقى به لخضر هو أحد العرفان الذين حجزوه في مخفر من مخافر الأمن، فتى قوي من شمال فرنسا وله شوارب صهماء، انتبه إلى المطرة المعلقة في حزام العسكري، وتذكر أن الرجل كان يشرب كؤوساً مليئة مديدة أثناء الحراسة، دخلا إلى حانة صغيرة، وعبثاً حاول العريف أن يحتج، بيد أن لخضر أصر على الدفع، كنت رجلاً لم تضرب سجيناً أبداً... آه لا تحدثني عن هذا!...يمكن معرفة المتجولين من خلال الباب نصف المفتوح، لم تغب الشمس يودغا أشعلت المدينة أضواءها لليل، في أي الأيام نحن؟ الجمعة يا صغيري، بالنسبة إلي، كأس متواضعة لا يجب أن تنتظر أيام العطلة، تطرق لخضر إلى رمضان الأسر، هل تعرف أنها للمرة الثانية التي أشرب فيها خلال حياتي؟...
أعرف جيداً... كلكم تغشون ثم تتظاهرون بصلوات غريبة، كأنه فيلم بطيء الحصة في ألعاب القوى، لماذا تعتبرون، أنتم في فرنسا، أن الجزائر بمثابة حديقة حيوانات؟... أنا لا أسي إلى صلواتكم!... بإمكانكم التحليق في برانسكم الملائكية، إن كان يروق لكم القيام برياضة الله! أنا من الشمال، الكنيسة أو المسجد بالنسبة إلى سيان، لا أشغل بالي بهذا، أنا من بلد الكادحين، الكا... ماذا؟!... الكادحين، العمال، عجباً! أنا لا أولي عناية للجيش - أنظر قليلاً ماذا فعل ",الشلوه", (الألمان) في بلدي، جيد ",الشلوه",، البوش... عجباً!... لم يطمئن لخضر، وصرخ في أذن العسكري، شلوه! كلمة أخرى مثل بيكو (الجزائريين)!...
طبعاً، نحن نحارب البوش معاً في الصف الأول، والفرنسيون يخلطوننا مع الأعداء، لقدم ندم الآن على ذكر كلمة بوش ",ألصق بي مرض السلالات",، لا مجال للإستهزاء، انفجر لخضر ضاحكاً، أظهر الرقيب الأول أسفاً صادقاً وقدم للخضر كأساً مكبوساً كما يليق، لم أعد أشرب، وخرج بعد أن قبّل العريف الحائر، راح لخضر يتأمل من خلال البوابة، محاطاً بأعقاب السجائر المتلفة، حقول التبغ، السهل...
أليس العمل في الطبيعة هو الطريقة المثلى للعيش، لأنه لا مجال للحديث عن الدراسة، في هذه العربة من الدرجة الثالثة، عائلة ريفية تتأهب للنزول، بحار فرنسي شاب يقدم يد العون للزوج حتى يجمع نصف دزينة من السلال حيث الدجاجات والخضر تجاوز جهاز الوليد، ضغط على شاربه: علامة تأثر أو إرتباك.
",... أظهر يوم 8 ماي أن لطف هذا البحار بإمكانه أن يترك مكانة للقسوة، الأمور تبدأ بالتسامح دائماً... ماذا يفعل هذا البحار الشاب في قطار جزائري بلكنته المرسيلية، أكد أن فرنسا هي التي قدمت القطار... آه لو كانت لنا قطاراتنا... أولاً، سيكون الفلاحون بخير، لن يكونوا بحاجة غلى التململ في كل محطة خوفاً من أن يكونوا قد وصلوا، سيعرفون القراءة، وبالعربية أيضاً!... أنا بدوري سأتكون في لغتنا، سأصيح زميل جدي في القسم...",.
أخرج البحار علبة سجائر، وهب سيجارة للفلاح، ثم للخضر، ",لماذا كل هذا اللطف؟ يريدون ان ننسى جرائمهم...",... بقيت محطتان، ونصل إلى عناية، أية شمس هذه يا أجدادي!... بذلتي غير متألقة عندما يتعلق الامر في أول زيارة لأقارب أغنياء، ماذا يمكن فعله بخمسمائة فرنك في مدينة مثل عناية؟.
يمكن أن أراسل جدي، سكون الأمر مخجلاً... لا بد أنهم سمعوا بإطلاق سراحي... سأكتب من عناية إلى جدي، أما الآخرون فسيكونون مسرورين لما طردت من المجمع، يظنون أني سأجلب لهم أكثر مخطئون، أمي المسكينة!",... إحباطات وتخبط في الحياة، ودرب محفوف بمخاطر الإستعمار الفرنسي وممارساته من جهة وبمخاطر الإنحراف الأخلاقي... قيم تتلاشى... وموبقات تحل محلها عند سطوع نجم نجمة التي أحالت حياة الرفاق الثلاث مراد، لخضر وكمال الزوج المخدوع.
وهكذا يمضي الكاتب في سردياته التي أخذت حيزها المكاني في الجزائر، والزماني أبّان فترة الإحتلال الفرنسي لهذا البلد، يسلط الكاتب وببراعة على ممارسات المستعمر الفرنسي تجاه المواطنين الجزائريين كما يصور الحال الذي آلت إليه أوضاعهم، وكأنه بذلك يحث الذاكرة على قراءة هذه التجربة بتمعن.