وصف الكتاب
",لقد تداخلت عليّ الأزمنة؛ زمني وزمن مراد الآخر... قريني الذي أصبح عدوي وخدعني أكثر من مرة! لقد كنت كمن يسير في عربة يجرها حصان بلا قائد، فتأخذه إلى حيث لا يعلم؛ ولكن دوام الحال من المحال، ولقد أدركت بعد أن تجسدتُ ما لم أدركه حينها. العلم! المعرفة! القدرة! الاستطاعة! أصبحت ...عبر السنين التي مضت ما رأيتني عليه الآن؛ ما تحسبها أنت وغيرك معجزات، هي بالنسبة إلي مجرد ممكنات! أستطيع تحويل الفحم إلى ألماس! السير على الماء! اختراق الحصون والجدران! معرفة خوارزمية سير الأحداث عبر فروعها من مسارات الحياة! المستحيل أصبح كلمة لا مكان لها في قاموسي! ولكن... ولكن على الرغم من كل هذا، ما زلت أجهل كيف تجسدت هنا، وتركت جسدي هناك في الزمن الذي أتيت منه؟ لقد خدعني قريني، عندما جعلني أفك الارتباط بجسدي القديم. أغلب الظن أنّه لم يتوقع بأني سأتجسد هنا، بل ربما ظن أني سأتلاشى ويبقى هو؛ ولكني لم أتلاش، بل تجسدت دون أن أعرف كيف؟! لا سبيل للمعرفة إلّا بانفصال النفس عن الجسد مجدداً حتى أذهب إلى عالمه فأرى ما حدث له ولي، ففي المعرفة الخلاص! وهنا يا صديقي يأتي دورك أنت... أنت الوحيد القادر الآن على مساعدتي، أنت وَعَودُك هذا إلى أن أجد طريقة أتمكن بها من الانفصال دون الحاجة إلى النوم",.عبر هذه النافذة، يمكن قراءة «قرين» الجزء الثالث والأخير من ثلاثية (فرسان وكهنة) للكاتب الدكتور منذر قباني بما يمثله هنا من حضور فني ضمن منجز إبداعي كان فيه اللاعب بامتياز، ونقول اللاعب، ذلك أنّه هو من بدا، ينتقي ويحوِّر ويضيء ويعتم العلامات والأقنعة والصور التي تؤشر إلى الالتباس الذي يجد القارئ للنص، لا محال، واقعٌ فيهِ، ولكن ما يلبث أن يدرك بعد قراءة متأنية أن هذا الالتباس، ليس مصدره الكاتب، بل الشخصية - الساردة التي آثر القباني إبقاءها هوية ملتبسة – وهي شخصية بطلهُ ",مراد قطز", التي طالعنا بها في الجزءين الأوليين من هذه الثلاثية والتي تعمد أبقاءها، كذلك هنا، موزعة بين التجلي والخفاء اعتماداً على استراتيجية الصوغ التخييلي التي تمزج الواقعي بالمتخيل والمحلوم به؛ ضمن تصور سايكولوجي قائم على صورة القرين الذي تجسد داخل بنية نصية مشخصة تتحرك بوصفها الحضور الآخر المادي المرئي للذات الداخلية لشخصية مراد؛ لتكون أيضاً شخصية بطلة تمارس دورها كقرين وتتحرك بصورة موازية للبنية الأخرى الإنسانية المركزية في النص، أي مراد قطز كما بدا في مواجهة ذاته الأخرى وهي تتحرك بحرّية بين الأمكنة والأزمنة ومن خلال قيامها بالحدث والحركة، وهنا يقوم السارد بالتركيز أكثر في رصده لحركة هذا القرين الذي يصبح هو الفاعل الرئيس والجوهري في تعقبه الأحداث ورصده بقية الشخصيات ويقع عليه رواية الأخبار ونقل المعلومات والوقائع إلى المتلقي لا بل، وإشراكه في لعبة القراءة أحياناً، ولتكون العلاقة معه تمثل ضمناً، منطقة إنتاج المعنى، وهو ما سوف نكتشفه كلما توغلنا في القراءة أكثر...
وعليه، تكون «قرين» حكاية أرادها منذر القباني لا تحتمل قوانين المحاكاة المعروفة في الأدب السردي عموماً، وفي الرواية خصوصاً، إنها رواية (اللحظة) التي يعيشها الإنسان خارج حدود الزمكان، وهو ما يزال يردد عبارته الأثيرة ",ما من شيء سيكون إلّا وقد كان",.